الرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ لِلدَّارِمِيِّ ⦗١٧⦘ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ يَسِّرْ وَأَعِنْ بِرَحْمَتِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَكَارِمِ عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّطِيفِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الشَّرَابِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِهِ إِلَيْنَا قَالَ: أَخْبَرَتْنَا الشَّيْخَةُ أُمُّ الصُّبْحِ ضَوْءُ النِّسَاءِ بِنْتُ أَبِي الْفَتْحِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ الشَّرَابِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهَا فِي رَبِيعٍ الثَّانِي مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَتْ: أَنْبَأَ أَبِي الْإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي دَارِنَا بِأَصْبَهَانَ، فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَ: ثنا الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الْخُطَبَاءِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُذَكَّرِ الْهَرَوِيِّ الْمُقِيمِ بِصُعَّ قَرْيَةُ مِنْ قُرَى هَرَاةَ فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ بِهَا مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ، بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي الْفَتْحِ بْنِ سَمْكَوَيْهِ قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكُمُ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو رَوْحٍ ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ السَّعْدِيُّ فِي شُهُورِ سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ قَالَ: أَنْبَأَ أَبِي أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ، أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا سَعِيدٍ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ قَالَ:
١ - الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا ⦗١٨⦘ بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، يَعْلَمُ سَرَّ خَلْقِهِ وَجَهْرَهُمُ، وَيَعْلَمُ مَا يَكْسِبُونَ، نَحْمَدُهُ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ، وَنَصِفُهُ بْمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهِ الرَّسُولُ،
٢ - فَهُوَ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، قَرِيبٌ، مُجِيبٌ، مُتَكَلِّمٌ قَائِلٌ، وشَاءٍ مُرِيدٌ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، الْأَوَّلُ قَبْلَ كِلِّ شَيْءٍ، وَالْآخِرُ بَعْدَ كِلِّ شَيْءٍ، لَهُ الْأًَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ الَأسْمَاءُ الْحُسْنَى، يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ، وَيَتَكَلَّمُ، وَيَرْضَى وَيَسْخَطُ، وَيَغْضَبُ، وَيُحِبُّ، وَيَبْغَضُ، وَيَكْرَهُ، وَيَضْحَكُ، وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى، ذُو الْوَجْهِ الْكَرِيمِ، والسَّمْعِ السَّمِيعِ والْبَصَرِ الْبَصِيرِ، وَالْكَلَامِ الْمُبِينِ، وَالْيَدَينِ وَالْقَبْضَتَينِ، وَالْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالْعَظَمَةِ، وَالْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ، لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَلَا يَزَالُ، اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهَ فَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، عِلْمُهُ بِهِمْ مُحِيطٌ، وَبَصَرُهُ فِيهِمْ نَافِذٌ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
٣ - فَبِهَذَا الرَّبِ نُؤْمِنُ، وَإِيَّاهُ نَعْبُدُ، وَلَهُ نَصَِّلي وَنَسْجُدُ، فَمَنْ قَصَدَ بِعَِبادَتِهِ إِلَى إَلَهٍ بِخَلَافِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَإِنِّمَا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، وَلَيْسِ مَعْبُودُهُ بِإِلَهٍ، كُفْرَانَهُ لَا غُفْرَانَهُ،
٤ - فَنَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ، اصْطَفَاهُ لِوَحْيِهِ، وَانْتَجَبَهُ لِرَسَالَتِهِ، وَاخْتَارَهُ مِنْ خَلْقِهِ لِخَلْقِهِ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كَلَامَهَ الْمُبِينَ، وَكِتَابَهُ الْعَزِيزَ الَّذِي ﴿لَا يَأْتَيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [سورة: فصلت، آية رقم: ٤٢]، ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [سورة: الزمر، آية رقم: ٢٨]، ﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ⦗١٩⦘ وَيُبَشَّرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة: الإسراء، آية رقم: ٩] . فِيهِ نبَأُ الْأَوَّلِينَ وَخَبَرُ الْآخِرِينَ، لَا تَنْقَضِي عِبَرُهُ، وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، غَيْرَ مَخْلُوقٍ وَلَا مَنْسُوبٍ إِلَى مَخْلُوقٍ ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [سورة: الشعراء، آية رقم: ١٩٤] مِنْ لِدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ.
٥ - وَقَالَ ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [سورة: النمل، آية رقم: ٦] وَقَالَ ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [سورة: الشعراء، آية رقم: ١٩٣]،
٦ - مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [سورة: الإسراء، آية رقم: ١٠٦]، فَقَرَأَهُ كَمَا أُمِرَ، وَدَعَا إِلَيْهِ سِرًّا وَجَهْرًا، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ آيَاتٍ مُبِينَاتٍ قَالُوا: سَاحِرٌ وَكَاهِنٌ، وَشَاعِرٌ، وَمُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلْأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [سورة: ص، آية رقم: ٦]، وَ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [سورة: المدثر، آية رقم: ٢٥]، ﴿لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [سورة: الأنفال، آية رقم: ٣١]، وَقَالُوا ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ [سورة: الفرقان، آية رقم: ٤]، ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [سورة: الفرقان، آية رقم: ٥] ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ [سورة: النحل، آية رقم: ١٠٣]، مَخْلُوقٌ بِكَلَامِ مَخْلُوقٍ مُخْتَلَقٍ.
٧ - فَكَذَّبَ اللَّهُ ﷿ قَوْلَهُمْ، وَأَبْطَلَ دَعْوَاهُمْ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَقدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا﴾ [سورة:] وَقَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [سورة:] وَقَالَ تَعَالَى ⦗٢٠⦘ ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُو وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [سورة:]، وَقَالَ: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [سورة: النحل، آية رقم: ١٠٣]، ثُمَّ قَالَ: ﴿لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [سورة: الإسراء، آية رقم: ٨٨] .
٨ - ثُمَّ نَدَبَهُمْ جَمِيعًا إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ تَخَرُّصًا وَتَعَلُّمًا مِنَ الْخُطَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ؛ فَقَالَ ﵎: ﴿فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سورة: هود، آية رقم: ١٣]، وَيَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقًُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [سورة: البقرة، آية رقم: ٢٣] .
٩ - فَلَمْ يَقْدِرِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَرَبُهَا وَعَجَمُهَا، مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَعُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ وَلَا بِبَعْضِ سُورَةٍ، وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا لَدَعَوْا شُهَدَاءَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَبَذَلُوا فِيهَا الرَّغَائِبَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا لِخُطَبَائِهِمْ وَشُعَرَائِهِمْ، وَأَحْبَارِهِمْ، وَأَسَاقِفَتِهِمْ، وَكَهَنَتِهِمْ وَسَحَرَتِهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهَا، تَصْدِيقًا لِمَا ادَّعَوْا مِنَ الزُّورِ تَكْذِيبًا بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَأَنَّى يَأْتِي الْمَخْلُوقُ بِمِثْلِ كَلَامِ الْخَالِقِ؟ وَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ [سورة: البقرة، آية رقم: ٢٤] فَلَنْ تَفْعَلُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَلَيْسَ كَكَلَامِهِ كَلَامٌ.
⦗٢١⦘
١٠ - فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى كِتَابِهِ وَكَلَامِهِ سِرًّا وَجَهْرًا، مُحْتَمِلًا لِمَا نَالَهُ مِنْ أَذَاهُمْ، صَابِرًا عَلَيْهِ حَتَّى أَظْهَرَهُ اللَّهُ وَأَعَزَّهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ نَصْرَهُ، فَضَرَبَ وُجُوهَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِالسُّيُوفِ، حَتَّى ذَلُّوا وَدَانُوا، وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَاسْتَقَامُوا حَيَاتَهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، لَا يَجْتَرِئُ كَافِرٌ وَلَا مُنَافِقٌ مُتَعَوِّذٌ بِالْإِسْلَامِ أَنْ يُظْهِرَ مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَإِنْكَارِ النُّبُوَّةِ، فَرَقًا مِنَ السَّيْفِ، وَتَخَوُّفًا مِنَ الِافْتِضَاحِ بَلْ كَانُوا يَتَقَلَّبُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِغَمٍّ، وَيَعِيشُونَ فِيهِمْ عَلَى رُغْمٍ، دَهْرًا مِنَ الدَّهْرِ، وَزَمَانًا مِنَ الزَّمَانِ.
١١ - وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ بِالْبَصْرَةِ، وَجَهْمٌ بِخُرَاسَانَ، اقْتِدَاءً بِكُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَتَلَ اللَّهُ جَهْمًا شَرَّ قِتْلَةٍ،
١٢ - وَأَمَّا الْجَعْدُ فَأَخَذَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ فَذَبَحَهُ ذَبْحًا بِوَاسِطَ، فِي يَوْمِ الْأَضْحَى عَلَى رُؤُوسِ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَعِيبُهُ بِهِ عَائِبٌ وَلَا يَطْعَنُ عَلَيْهِ طَاعِنٌ بَلِ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ، وَصَوَّبُوهُ مِنْ رَأْيِهِ.
نامعلوم صفحہ
مُقَدِّمَةٌ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، يَعْلَمُ سَرَّ خَلْقِهِ وَجَهْرَهُمُ، وَيَعْلَمُ مَا يَكْسِبُونَ، نَحْمَدُهُ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ، وَنَصِفُهُ بْمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهِ الرَّسُولُ، فَهُوَ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، قَرِيبٌ، مُجِيبٌ، مُتَكَلِّمٌ قَائِلٌ، وشَاءٍ مُرِيدٌ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، الْأَوَّلُ قَبْلَ كِلِّ شَيْءٍ، الْآخِرُ بَعْدَ كِلِّ شَيْءٍ، لَهُ الْأًَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ الَأسْمَاءُ الْحُسْنَى، يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ، وَيَتَكَلَّمُ، وَيَرْضَى وَيَسْخَطُ، وَيَغْضَبُ، وَيُحِبُّ، وَيَبْغَضُ، وَيَكْرَهُ، وَيَضْحَكُ، وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى، ذُو الْوَجْهِ الْكَرِيمِ، والسَّمْعِ السَّمِيعِ والْبَصَرِ الْبَصِيرِ، وَالْكَلَامِ الْمُبِينِ، وَالْيَدَينِ وَالْقَبْضَتَينِ، وَالْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالْعَظَمَةِ، وَالْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ، لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَلَا يَزَالُ، اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهَ فَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، عِلْمُهُ بِهِمْ مُحِيطٌ، وَبَصَرُهُ فِيهِمْ نَافِذٌ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. فَبِهَذَا الرَّبِ نُؤْمِنُ، وَإِيَّاهُ نَعْبُدُ، وَلَهُ نَصَِّلي وَنَسْجُدُ، فَمَنْ قَصَدَ بِعَِبادَتِهِ إِلَى إَلَهٍ بِخَلَافِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَإِنِّمَا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، لَيْسِ مَعْبُودُهُ بِإِلَهٍ، كُفْرَانَهُ لَا غُفْرَانَهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ، اصْطَفَاهُ لِوَحْيِهِ، وَانْتَجَبَهُ لِرَسَالَتِهِ، وَاخْتَارَهُ مِنْ خَلْقِهِ لِخَلْقِهِ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كَلَامَهَ الْمُبِينَ، وَكِتَابَهُ الْعَزِيزَ الَّذِي ﴿لَا يَأْتَيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَامِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزمر: ٢٨]، ﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشَّرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: ٩] . فِيهِ نبَأُ الْأَوَّلِينَ وَخَبَرُ الْآخِرِينَ، لَا تَنْقَضِي عِبَرُهُ، وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، غَيْرَ مَخْلُوقٍ وَلَا مَنْسُوبٍ إِلَى مَخْلُوقٍ ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٤] مِنْ لِدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ. وَقَالَ ﴿إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل: ٦] وَقَالَ ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٣]، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦]، فَقَرَأَهُ كَمَا أُمِرَ، وَدَعَا إِلَيْهِ سِرًّا وَجَهْرًا، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ آيَاتٍ مُبِينَاتٍ قَالُوا: سَاحِرٌ وَكَاهِنٌ، وَشَاعِرٌ، وَمُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلْأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٦]، وَ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٥]، ﴿لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣١]، وَقَالُوا ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ [الفرقان: ٤]، ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان: ٥] ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، مَخْلُوقٌ بِكَلَامِ مَخْلُوقٍ مُخْتَلَقٍ. فَكَذَّبَ اللَّهُ ﷿ قَوْلَهُمْ، وَأَبْطَلَ دَعْوَاهُمْ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَقدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُو وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾، وَقَالَ: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، ثُمَّ قَالَ: ﴿لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨] . ثُمَّ نَدَبَهُمْ جَمِيعًا إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ تَخَرُّصًا وَتَعَلُّمًا مِنَ الْخُطَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ؛ فَقَالَ ﵎: ﴿فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [هود: ١٣]، وَيَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقًُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] . فَلَمْ يَقْدِرِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَرَبُهَا وَعَجَمُهَا، مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَعُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ وَلَا بِبَعْضِ سُورَةٍ، وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا لَدَعَوْا شُهَدَاءَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَبَذَلُوا فِيهَا الرَّغَائِبَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا لِخُطَبَائِهِمْ وَشُعَرَائِهِمْ، وَأَحْبَارِهِمْ، وَأَسَاقِفَتِهِمْ، وَكَهَنَتِهِمْ وَسَحَرَتِهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهَا، وَتَصْدِيقًا لِمَا ادَّعَوْا مِنَ الزُّورِ تَكْذِيبًا بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَأَنَّى يَأْتِي الْمَخْلُوقُ بِمِثْلِ كَلَامِ الْخَالِقِ؟، وَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة: ٢٤] فَلَنْ تَفْعَلُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَلَيْسَ كَكَلَامِهِ كَلَامٌ. فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى كِتَابِهِ وَكَلَامِهِ سِرًّا وَجَهْرًا، مُحْتَمِلًا لِمَا نَالَهُ مِنْ أَذَاهُمْ، صَابِرًا عَلَيْهِ حَتَّى أَظْهَرَهُ اللَّهُ وَأَعَزَّهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ نَصْرَهُ، فَضَرَبَ وُجُوهَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِالسُّيُوفِ، حَتَّى ذَلُّوا وَدَانُوا، وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَاسْتَقَامُوا حَيَاتَهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، لَا يَجْتَرِئُ كَافِرٌ وَلَا مُنَافِقٌ مُتَعَوِّذٌ بِالْإِسْلَامِ أَنْ يُظْهِرَ مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَإِنْكَارِ النُّبُوَّةِ، فَرَقًا مِنَ السَّيْفِ، وَتَخَوُّفًا مِنَ الِافْتِضَاحِ بَلْ كَانُوا يَتَقَلَّبُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِغَمٍّ، وَيَعِيشُونَ فِيهِمْ عَلَى رُغْمٍ، دَهْرًا مِنَ الدَّهْرِ، وَزَمَانًا مِنَ الزَّمَانِ. وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ شَيْئًا مِنْ بَعْدِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ بِالْبَصْرَةِ، وَجَهْمٌ بِخُرَاسَانَ، اقْتِدَاءً بِكُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَتَلَ اللَّهُ جَهْمًا شَرَّ قِتْلَةٍ، وَأَمَّا الْجَعْدُ فَأَخَذَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ فَذَبَحَهُ ذَبْحًا بِوَاسِطَ، فِي يَوْمِ الْأَضْحَى عَلَى رُؤُوسِ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَعِيبُهُ بِهِ عَائِبٌ وَلَا يَطْعَنُ عَلَيْهِ طَاعِنٌ بَلِ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ، وَصَوَّبُوهُ مِنْ رَأْيِهِ.
١٣ - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: خَطَبَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِوَاسِطَ يَوْمَ الْأَضْحَى، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ ارْجِعُوا فَضَحُّوا، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ؛ فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى ⦗٢٢⦘ تَكْلِيمًا، وَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ عُلُوًّا كَبِيرًا. ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ» ١٤ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَقْمُوعِينَ، أَذِلَّةً مَدْحُورِينَ، حَتَّى كَانَ الْآنَ بِآخِرِهِ، حَيْثُ قَلَّتِ الْفُقَهَاءُ، وَقُبِضَ الْعُلَمَاءُ، وَدَعَا إِلَى الْبِدَعِ دُعَاةُ الضَّلَالِ، فَشَدَّ ذَلِكَ طَمَعَ كُلِّ مُتَعَوِّذٍ فِي الْإِسْلَامِ، مِنْ أَبْنَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَنْبَاطِ الْعِرَاقِ، وَوَجَدُوا فُرْصَةً لِلْكَلَامِ، فَجُدُّوا فِي هَدْمِ الْإِسْلَامِ، وَتَعْطِيلِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَإِنْكَارِ صِفَاتِهِ، وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ، وَإِبْطَالِ وَحْيِهِ إِذْ وَجَدُوا فُرْصَتَهُمْ، وَأَحَسُّوا مِنَ الرِّعَاعِ جَهْلًا، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ قِلَّةً، فَنَصَبُوا عِنْدَهَا الْكُفْرَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يْدَعُونَهُمْ إِلَيْهِ، وَأَظْهَرُوا لَهُمْ أُغْلُوطَاتٍ مِنَ الْمَسَائِلِ، وَعَمَايَاتٍ مِنَ الْكَلَامِ، يُغَالِطُونَ بِهَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، لِيُوقِعُوا فِي قُلُوبِهِمُ الشَّكَّ، وَيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ أَمْرَهُمْ، وَيُشَكِّكُوهُمْ فِي خَالِقِهِمْ، مُقْتَدِينَ بِأَئِمَّتِهِمُ الْأَقْدَمِينَ، الَّذِينَ قَالُوا: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٥] وَ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] ⦗٢٣⦘. ١٥ - فَحِينَ رَأَيْنَا ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَفَطَنَّا لِمَذْهَبِهِمْ، وَمَا يَقْصِدُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَإِبْطَالِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، وَنَفْيِ الْكَلَامِ وَالْعِلْمِ وَالْأَمْرِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، رَأَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ رُسُومًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ، مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ أَهْلُ الْغَفْلَةِ مِنَ النَّاسِ عَلَى سُوءِ مَذْهَبِهِمْ، فَيَحْذَرُوهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَيَجْتَهِدُوا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، مُحْتَسِبِينَ مُنَافِحِينَ عَنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، طَالِبِينَ بِهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ. ١٦ - وَقَدْ كَانَ مَنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ يَكْرَهُونَ الْخَوْضَ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ، وَقَدْ كَانُوا رُزِقُوا الْعَافِيَةَ مِنْهُمْ، وَابْتُلِينَا بِهِمْ عِنْدَ دُرُوسِ الْإِسْلَامِ، وَذَهَابِ الْعُلَمَاءِ، فَلَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ نَرُدَّ مَا أَتَوْا بِهِ مِنَ الْبَاطِلِ بِالْحَقِّ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَخَوَّفُ مَا أَشْبَهَ هَذَا عَلَى أُمَّتِهِ، وَيُحَذِّرُهَا إِيَّاهُمْ، ثُمَّ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ وَالتَّابِعُونَ، مَخَافَةَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِي اللَّهِ وَفِي الْقُرْآنِ بِأَهْوَائِهِمْ فَيَضِلُّوا، وَيَتَمَارَوْا بِهِ عَلَى جَهْلٍ فَيَكْفُرُوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ قَالَ: «الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ» وَحَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَتَّقُونَ تَفْسِيرَهُ، لِأَنَّ الْقَائِلَ فِيهِ إِنَّمَا يَقُولُ عَلَى اللَّهِ. ١٧ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁: «أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي ⦗٢٤⦘، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كَلَامِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ» ١٨ - وَسُئِلَ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيَّ عَنْ شَيْءٍ، مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَعَلَيْكَ بِالسَّدَادِ، فَقَدْ ذَهَبَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ فِيمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ ١٩ - فَهَذَا الصِّدِّيقُ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا، وَالْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ، قَدْ شَهِدَ التَّنْزِيلَ، وَعَايَنَ الرَّسُولَ، وَعَلِمَ فِيمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، وَيَتَوَقَّى أَنْ يَقُولَ فِي الْقُرْآنِ، مَخَافَةَ أَنْ لَا يُصِيبَ مَا عَنَى اللَّهُ فَيَهْلِكَ، ثُمَّ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيُّ بَعْدَهُ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، فَكَيْفَ ⦗٢٥⦘ بِهَؤُلَاءِ الْمُنْسَلِخِينَ مِنَ الدِّينِ وَالْعِلْمِ، الَّذِينَ يَنْقُضُونَهُ نَقْضًا، وَيُفَسِّرُونَهُ بِأَهْوَائِهِمْ خِلَافَ مَا عَنَى اللَّهُ، وَخِلَافَ مَا تَحْتَمِلُهُ لُغَاتُ الْعَرَبِ. ٢٠ - وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا تَهْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى تَظْهَرَ فِيهِمُ الزَّنْدَقَةُ، وَيَتَكَلَّمُوا فِي الرَّبِّ ﵎
١٣ - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: خَطَبَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِوَاسِطَ يَوْمَ الْأَضْحَى، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ ارْجِعُوا فَضَحُّوا، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ؛ فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى ⦗٢٢⦘ تَكْلِيمًا، وَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ عُلُوًّا كَبِيرًا. ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ» ١٤ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَقْمُوعِينَ، أَذِلَّةً مَدْحُورِينَ، حَتَّى كَانَ الْآنَ بِآخِرِهِ، حَيْثُ قَلَّتِ الْفُقَهَاءُ، وَقُبِضَ الْعُلَمَاءُ، وَدَعَا إِلَى الْبِدَعِ دُعَاةُ الضَّلَالِ، فَشَدَّ ذَلِكَ طَمَعَ كُلِّ مُتَعَوِّذٍ فِي الْإِسْلَامِ، مِنْ أَبْنَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَنْبَاطِ الْعِرَاقِ، وَوَجَدُوا فُرْصَةً لِلْكَلَامِ، فَجُدُّوا فِي هَدْمِ الْإِسْلَامِ، وَتَعْطِيلِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَإِنْكَارِ صِفَاتِهِ، وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ، وَإِبْطَالِ وَحْيِهِ إِذْ وَجَدُوا فُرْصَتَهُمْ، وَأَحَسُّوا مِنَ الرِّعَاعِ جَهْلًا، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ قِلَّةً، فَنَصَبُوا عِنْدَهَا الْكُفْرَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يْدَعُونَهُمْ إِلَيْهِ، وَأَظْهَرُوا لَهُمْ أُغْلُوطَاتٍ مِنَ الْمَسَائِلِ، وَعَمَايَاتٍ مِنَ الْكَلَامِ، يُغَالِطُونَ بِهَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، لِيُوقِعُوا فِي قُلُوبِهِمُ الشَّكَّ، وَيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ أَمْرَهُمْ، وَيُشَكِّكُوهُمْ فِي خَالِقِهِمْ، مُقْتَدِينَ بِأَئِمَّتِهِمُ الْأَقْدَمِينَ، الَّذِينَ قَالُوا: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٥] وَ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] ⦗٢٣⦘. ١٥ - فَحِينَ رَأَيْنَا ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَفَطَنَّا لِمَذْهَبِهِمْ، وَمَا يَقْصِدُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَإِبْطَالِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، وَنَفْيِ الْكَلَامِ وَالْعِلْمِ وَالْأَمْرِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، رَأَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ رُسُومًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ، مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ أَهْلُ الْغَفْلَةِ مِنَ النَّاسِ عَلَى سُوءِ مَذْهَبِهِمْ، فَيَحْذَرُوهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَيَجْتَهِدُوا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، مُحْتَسِبِينَ مُنَافِحِينَ عَنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، طَالِبِينَ بِهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ. ١٦ - وَقَدْ كَانَ مَنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ يَكْرَهُونَ الْخَوْضَ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ، وَقَدْ كَانُوا رُزِقُوا الْعَافِيَةَ مِنْهُمْ، وَابْتُلِينَا بِهِمْ عِنْدَ دُرُوسِ الْإِسْلَامِ، وَذَهَابِ الْعُلَمَاءِ، فَلَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ نَرُدَّ مَا أَتَوْا بِهِ مِنَ الْبَاطِلِ بِالْحَقِّ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَخَوَّفُ مَا أَشْبَهَ هَذَا عَلَى أُمَّتِهِ، وَيُحَذِّرُهَا إِيَّاهُمْ، ثُمَّ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ وَالتَّابِعُونَ، مَخَافَةَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِي اللَّهِ وَفِي الْقُرْآنِ بِأَهْوَائِهِمْ فَيَضِلُّوا، وَيَتَمَارَوْا بِهِ عَلَى جَهْلٍ فَيَكْفُرُوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ قَالَ: «الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ» وَحَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَتَّقُونَ تَفْسِيرَهُ، لِأَنَّ الْقَائِلَ فِيهِ إِنَّمَا يَقُولُ عَلَى اللَّهِ. ١٧ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁: «أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي ⦗٢٤⦘، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كَلَامِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ» ١٨ - وَسُئِلَ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيَّ عَنْ شَيْءٍ، مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَعَلَيْكَ بِالسَّدَادِ، فَقَدْ ذَهَبَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ فِيمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ ١٩ - فَهَذَا الصِّدِّيقُ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا، وَالْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ، قَدْ شَهِدَ التَّنْزِيلَ، وَعَايَنَ الرَّسُولَ، وَعَلِمَ فِيمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، وَيَتَوَقَّى أَنْ يَقُولَ فِي الْقُرْآنِ، مَخَافَةَ أَنْ لَا يُصِيبَ مَا عَنَى اللَّهُ فَيَهْلِكَ، ثُمَّ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيُّ بَعْدَهُ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، فَكَيْفَ ⦗٢٥⦘ بِهَؤُلَاءِ الْمُنْسَلِخِينَ مِنَ الدِّينِ وَالْعِلْمِ، الَّذِينَ يَنْقُضُونَهُ نَقْضًا، وَيُفَسِّرُونَهُ بِأَهْوَائِهِمْ خِلَافَ مَا عَنَى اللَّهُ، وَخِلَافَ مَا تَحْتَمِلُهُ لُغَاتُ الْعَرَبِ. ٢٠ - وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا تَهْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى تَظْهَرَ فِيهِمُ الزَّنْدَقَةُ، وَيَتَكَلَّمُوا فِي الرَّبِّ ﵎
1 / 21
٢١ - حَدَّثَنَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْبَارِيُّ، ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، قَالَ: " مَا هَلَكَ دِينٌ قَطُّ حَتَّى تُخَلَّفَ الْمَنَانِيَّةُ، قُلْتُ: وَمَا الْمَنَانِيَّةُ؟ قَالَ: الزَّنَادِقَةُ "
٢٢ - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ، عَنْ سَالِمٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، ﵁ قَالَ: «لَا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونَ خُصُومَتُهُمْ فِي ربِّهِمْ»
٢٣ - وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَحْسِبُهُ عَنْ أَبِي يَعْلَى مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: «إِنَّمَا تَهْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ إِذَا تَكَلَّمَتْ فِي رَبِّهَا»
٢٢ - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ، عَنْ سَالِمٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، ﵁ قَالَ: «لَا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونَ خُصُومَتُهُمْ فِي ربِّهِمْ»
٢٣ - وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَحْسِبُهُ عَنْ أَبِي يَعْلَى مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: «إِنَّمَا تَهْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ إِذَا تَكَلَّمَتْ فِي رَبِّهَا»
1 / 25
٢٤ - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: «لَأَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ»
٢٥ - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " لَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَ حَتَّى يُقَالَ لِأَحَدِكُمْ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ﵎؟ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَإِنِّي لَجَالِسٌ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهُ ﵎؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَوَضَعْتُ أُصْبُعَيَّ فِي أُذُنِي، وَصَرَخْتُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ: ﴿لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]
٢٥ - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " لَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَ حَتَّى يُقَالَ لِأَحَدِكُمْ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ﵎؟ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَإِنِّي لَجَالِسٌ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهُ ﵎؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَوَضَعْتُ أُصْبُعَيَّ فِي أُذُنِي، وَصَرَخْتُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ: ﴿لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]
1 / 26
٢٦ - وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ الْمِصْرِيُّ، ثنا اللَّيْثُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " يَأْتِي الشَّيْطَانُ الْعَبْدَ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ "
1 / 27
٢٧ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ ﷿، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ: آمَنَّا بِاللَّهِ "
٢٨ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ أَبُو سَعْدٍ ⦗٢٩⦘، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: ٢] قَالَ: فَالصَّمَدُ: الَّذِي ﴿لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص: ٣]، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ. ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤] قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ، وَلَا عَدْلٌ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
٢٨ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ أَبُو سَعْدٍ ⦗٢٩⦘، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: ٢] قَالَ: فَالصَّمَدُ: الَّذِي ﴿لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص: ٣]، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ. ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤] قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ، وَلَا عَدْلٌ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
1 / 28
٢٩ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا أَبُو هِلَالٍ وَهُوَ الرَّاسِبِيُّ قَالَ: ثنا رَجُلٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، قَالَ لِلْحَسَنِ: هَلْ تَصِفُ رَبَّكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، بِغَيْرِ مِثَالٍ»
٣٠ - حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ، ثنا سَالِمٌ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَفْصَةَ، ثنا مُنْذِرٌ أَبُو يَعْلَى الثَّوْرِيُّ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: «إِنَّ قَوْمًا مِمَّنْ كَانُوا قَبْلَكُمْ أُوتُوا عِلْمًا كَانُوا يُكَيِّفُونَ فِيهِ، فَسَأَلُوا عَمَّا فَوْقَ السَّمَاءِ وَمَا تَحْتَ الْأَرْضِ فَتَاهُوا، كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا دُعِيَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَجَابَ مِنْ خَلْفِهِ، وَإِذَا دُعِيَ مِنْ خَلْفِهِ أَجَابَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ» ⦗٣١⦘ ٣١ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَوْلَا مَخَافَةُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَا يُشْبِهُهَا، لَحَكَيْتُ مِنْ قُبْحِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةِ وَمَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ حِكَايَاتٌ كَثِيرَةٌ، يَتَبَيَّنُ بِهَا عَوْرَةُ كَلَامِهِمْ، وَتَكْشِفُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ سَوْءَاتِهِمْ، وَلَكِنَّا نَتَخَوَّفُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَنُخَافُ أَنْ لَا تَحْتَمِلَهُ قُلُوبُ ضُعَفَاءِ النَّاسِ، فَنُوقِعَ فِيهَا بَعْضَ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ: لَأَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ. ٣٢ - وَصَدَقَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، إِنَّ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي تَعْطِيلِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ أَوْحَشُ مِنْ كَلَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، غَيْرَ أَنَّا نَخْتَصِرُ مِنْ ذَلِكَ مَا نَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْكَثِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
٣٠ - حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ، ثنا سَالِمٌ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَفْصَةَ، ثنا مُنْذِرٌ أَبُو يَعْلَى الثَّوْرِيُّ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: «إِنَّ قَوْمًا مِمَّنْ كَانُوا قَبْلَكُمْ أُوتُوا عِلْمًا كَانُوا يُكَيِّفُونَ فِيهِ، فَسَأَلُوا عَمَّا فَوْقَ السَّمَاءِ وَمَا تَحْتَ الْأَرْضِ فَتَاهُوا، كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا دُعِيَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَجَابَ مِنْ خَلْفِهِ، وَإِذَا دُعِيَ مِنْ خَلْفِهِ أَجَابَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ» ⦗٣١⦘ ٣١ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَوْلَا مَخَافَةُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَا يُشْبِهُهَا، لَحَكَيْتُ مِنْ قُبْحِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةِ وَمَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ حِكَايَاتٌ كَثِيرَةٌ، يَتَبَيَّنُ بِهَا عَوْرَةُ كَلَامِهِمْ، وَتَكْشِفُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ سَوْءَاتِهِمْ، وَلَكِنَّا نَتَخَوَّفُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَنُخَافُ أَنْ لَا تَحْتَمِلَهُ قُلُوبُ ضُعَفَاءِ النَّاسِ، فَنُوقِعَ فِيهَا بَعْضَ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ: لَأَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ. ٣٢ - وَصَدَقَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، إِنَّ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي تَعْطِيلِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ أَوْحَشُ مِنْ كَلَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، غَيْرَ أَنَّا نَخْتَصِرُ مِنْ ذَلِكَ مَا نَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْكَثِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
1 / 29
بَابُ الْإِيمَانِ بِالْعَرْشِ وَهُوَ أَحَدُ مَا أَنْكَرَتْهُ الْمُعَطِّلَةُ
٣٣ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَمَا ظَنَنَّا أَنَّا نُضْطَرُّ، إِلَى الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ فِي إِثْبَاتِ الْعَرْشِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، حَتَّى ابْتُلِينَا بِهَذِهِ الْعِصَابَةِ الْمُلْحِدَةِ فِي آيَاتِ اللَّهِ، فَشَغَلُونَا بِالِاحْتِجَاجِ لِمَا لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهِ الْأُمَمُ قَبْلَنَا، وَإِلَى اللَّهِ نَشْكُو مَا أَوْهَتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ عُرَى الْإِسْلَامِ، وَإِلَيْهِ نَلْجَأُ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ.
٣٤ - وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ الْعَرْشَ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٩] . ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ [الزمر: ٧٥] . فِي آيٍ كَثِيرَةٍ سِوَاهَا.
٣٥ - فَادَّعَتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْعَرْشِ وَيُقَرُّونَ بِهِ، لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ لِبَعْضِهِمْ: مَا إِيمَانُكُمْ بِهِ إِلَّا كَإِيمَانِ: ﴿الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ [المائدة: ٤١] . وَكَالَّذِينَ ﴿إِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا ⦗٣٣⦘ نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ﴾ . أَتُقِرُّونَ أَنَّ لِلَّهِ عَرْشًا مَعْلُومًا مَوْصُوفًا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَاللَّهُ فَوْقَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ؟ فَأَبَى أَنْ يُقِرَّ بِهِ كَذَلِكَ، وَتَرَدَّدَ فِي الْجَوَّابِ، وَخَلَطَ وَلَمْ يُصَرِّحْ.
٣٦ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَقَالَ لِي زَعِيمٌ مِنْهُمْ كَبِيرٌ: لَا، وَلَكِنْ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، يَعْنِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ، سَمَّى ذَلِكَ كُلَّهُ عَرْشًا لَهُ، وَاسْتَوَى عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ كُلِّهِ.
٣٧ - قُلْتُ: لَمْ تَدَعُوا مِنْ إِنْكَارِ الْعَرْشِ وَالتَّكْذِيبِ بِهِ غَايَةً، وَقَدْ أَحَاطَتْ بِكُمُ الْحُجَجُ مِنْ حَيْثُ لَا تَدْرُونَ، وَهُوَ تَصْدِيقُ مَا قُلْنَا إِنَّ إِيمَانَكُمْ بِهِ كَإِيمَانِ ﴿الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ [المائدة: ٤١] . فَقَدْ كَذَّبَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَكَذَّبَكُمْ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ. أَرَأَيْتُمْ قَوْلَكُمْ: إِنَّ عَرْشَهُ سَمَوَاتُهُ وَأَرْضُهُ وَجَمِيعُ خَلْقِهِ، فَمَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ عِنْدَكُمْ: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [غافر: ٧] . أَحَمَلَةُ عَرْشِ اللَّهِ، أَمْ حَمَلَةُ خَلْقِهِ؟ . وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٧] . أَيَحْمِلُونَ السَّمَوَاتَ وَالْأَرْضَ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَمْ عَرْشَ الرَّحْمَنِ؟، فَإِنَّكُمْ إِنْ قُلْتُمْ قَوْلَكُمْ هَذَا، يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا: عَرْشُ رَبِّكَ: خَلْقُ رَبِّكَ أَجْمَعُ، وَتُبْطِلُونَ الْعَرْشَ الَّذِي هُوَ الْعَرْشُ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي بُطُولِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ، وَتَكْذِيبٌ بِعَرْشِ الرَّحْمَنِ ﵎.
٣٨ - فَقَالَ اللَّهُ ﵎: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ ⦗٣٤⦘ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» . فَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ أَنَّ الْعَرْشَ كَانَ مَخْلُوقًا عَلَى الْمَاءِ، إِذْ لَا أَرْضَ وَلَا سَمَاءَ، فَلِمَ تُغَالِطُونَ النَّاسَ بِمَا أَنْتُمْ لَهُ مُنْكَرُونَ؟ وَلَكِنَّكُمْ تُقِرُّونَ بِالْعَرْشِ بِأَلْسِنَتِكُمْ تَحَرُّزًا مِنْ إِكْفَارِ النَّاسِ إِيَّاكُمْ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ، فَتُضْرَبَ عَلَيْهِ رِقَابُكُمْ، وَعِنْدَ أَنْفُسِكُمْ أَنْتُمْ بِهِ جَاحِدُونَ، وَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَ أَهْلَ الْجَهْلُ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِكُمْ، إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَمْرِكُمْ لَعَلَى يَقِينٍ، أَوْ كَمَا قُلْتُ لَهُمْ، زَادَ أَوْ نَقَصَ
1 / 32
٣٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، ﵄ قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «يَا بَنِي تَمِيمٍ أَبْشِرُوا»، قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا، فَأَعْطِنَا. قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: «يَا أَهْلَ الْيَمَنِ اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذَا لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحَدِّثُ بِبَدْءِ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ. قَالَ: فَقُمْتُ، وَلَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ
٤٠ - وَحَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الْأَنْطَاكِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ ⦗٣٥⦘ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ، ثُمَّ دَخَلْتُ، فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا، فَأَعْطِنَا - مَرَّتَيْنِ - ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا إِخْوَانُكُمْ بَنُو تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَبْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ حَيْثُ كَانَ. قَالَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ كَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» . قَالَ: ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ: أَدْرِكْ نَاقَتَكَ، فَقَدْ ذَهَبَتْ، فَخَرَجْتُ فَوَجَدْتُهَا قَدْ يُقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ، وَايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهَا ٤١ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَرْشَ قَبْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ، وَتَكْذِيبٌ لِمَا ادَّعَوْا مِنَ الْبَاطِلِ
٤٠ - وَحَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الْأَنْطَاكِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ ⦗٣٥⦘ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ، ثُمَّ دَخَلْتُ، فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا، فَأَعْطِنَا - مَرَّتَيْنِ - ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا إِخْوَانُكُمْ بَنُو تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَبْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ حَيْثُ كَانَ. قَالَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ كَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» . قَالَ: ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ: أَدْرِكْ نَاقَتَكَ، فَقَدْ ذَهَبَتْ، فَخَرَجْتُ فَوَجَدْتُهَا قَدْ يُقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ، وَايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهَا ٤١ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَرْشَ قَبْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ، وَتَكْذِيبٌ لِمَا ادَّعَوْا مِنَ الْبَاطِلِ
1 / 34
٤٢ - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، ثنا بِشْرُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَقَضَى الْقَضِيَّةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَأَخَذَ أَهْلَ الْيَمِينِ بِيَمِينِهِ، وَأَخَذَ أَهْلَ الشِّمَالِ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدَيِ الرَّحْمَنِ يَمِينٌ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَصْحَابَ الْيَمِينِ قَالُوا: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، ثُمَّ قَالَ: يَا أَصْحَابَ الشِّمَالِ قَالُوا: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَخَلَطَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَقَالَ قَائِلٌ: رَبِّ لِمَ خَلَطْتَ بَيْنَنَا؟ قَالَ: ﴿لَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ﴾ [المؤمنون: ٦٣] ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ. وَقَوْلُهُ ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢] . ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي صُلْبِ آدَمَ "
قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَقَضَى الْقَضِيَّةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلُهَا، وَأَهْلُ النَّارِ أَهْلُهَا» . قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ: «أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ قَوْمٍ لِمَنْزِلَتِهِمْ»، فَقَالَ عُمَرُ: إِذًا نَجْتَهِدُ
قَالَ: وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْأَعْمَالِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الْأَعْمَالَ، أَشَيْءٌ يُؤْتَنَفُ؟، أَوْ فُرِغَ مِنْهَا؟ قَالَ: «بَلْ فُرِغَ مِنْهَا»
قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَقَضَى الْقَضِيَّةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلُهَا، وَأَهْلُ النَّارِ أَهْلُهَا» . قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ: «أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ قَوْمٍ لِمَنْزِلَتِهِمْ»، فَقَالَ عُمَرُ: إِذًا نَجْتَهِدُ
قَالَ: وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْأَعْمَالِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الْأَعْمَالَ، أَشَيْءٌ يُؤْتَنَفُ؟، أَوْ فُرِغَ مِنْهَا؟ قَالَ: «بَلْ فُرِغَ مِنْهَا»
1 / 36
٤٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا، وَفَوْقَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهَا تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ»
1 / 37
٤٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ، ثنا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَأَمَرَهُ وَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ، وَإِنَّمَا يَجْرِي النَّاسُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ»
٤٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، وَرِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ ﵎ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا إِذْ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَإِذْ لَا أَرْضَ وَلَا سَمَاءَ، خَلَقَ الرِّيحَ فَسَلَّطَهَا عَلَى الْمَاءِ ⦗٣٩⦘ حَتَّى اضْطَرَبَتْ أَمْوَاجُهُ وَأَثَارَ رُكَامُهُ، فَأَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا وَطِينًا وَزَبَدًا، فَأَمَرَ الدُّخَانَ فَعَلَا، وَسَمَا، وَنَمَى، فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَوَاتِ، وَخَلَقَ مِنَ الطِّينِ الْأَرَضِينَ، وَخَلَقَ مِنَ الزَّبَدِ الْجِبَالَ» ٤٦ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ ﵀: فَفِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﷿، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّ الْعَرْشَ كَانَ مَخْلُوقًا قَبْلَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْخَلْقِ، وَأَنَّ مَا ادَّعَى فِيهِ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةُ تَكْذِيبٌ بِالْعَرْشِ، وَتَخَرُّصٌ بِالْبَاطِلِ، وَلَوْ شِئْنَا أَنْ نَجْمَعَ فِي تَحْقِيقِ الْعَرْشِ كَثِيرًا مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَجَمَعْنَا، وَلَكِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ خَلُصَ عِلْمُ ذَلِكَ وَالْإِيمَانُ بِهِ إِلَّا النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، إِلَّا إِلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ الْمُلْحِدَةِ فِي آيَاتِ اللَّهِ، طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهُمْ بِلَادَهُ، وَأَرَاحَ مِنْهُمْ عِبَادَهُ
٤٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، وَرِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ ﵎ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا إِذْ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَإِذْ لَا أَرْضَ وَلَا سَمَاءَ، خَلَقَ الرِّيحَ فَسَلَّطَهَا عَلَى الْمَاءِ ⦗٣٩⦘ حَتَّى اضْطَرَبَتْ أَمْوَاجُهُ وَأَثَارَ رُكَامُهُ، فَأَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا وَطِينًا وَزَبَدًا، فَأَمَرَ الدُّخَانَ فَعَلَا، وَسَمَا، وَنَمَى، فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَوَاتِ، وَخَلَقَ مِنَ الطِّينِ الْأَرَضِينَ، وَخَلَقَ مِنَ الزَّبَدِ الْجِبَالَ» ٤٦ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ ﵀: فَفِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﷿، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّ الْعَرْشَ كَانَ مَخْلُوقًا قَبْلَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْخَلْقِ، وَأَنَّ مَا ادَّعَى فِيهِ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةُ تَكْذِيبٌ بِالْعَرْشِ، وَتَخَرُّصٌ بِالْبَاطِلِ، وَلَوْ شِئْنَا أَنْ نَجْمَعَ فِي تَحْقِيقِ الْعَرْشِ كَثِيرًا مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَجَمَعْنَا، وَلَكِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ خَلُصَ عِلْمُ ذَلِكَ وَالْإِيمَانُ بِهِ إِلَّا النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، إِلَّا إِلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ الْمُلْحِدَةِ فِي آيَاتِ اللَّهِ، طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهُمْ بِلَادَهُ، وَأَرَاحَ مِنْهُمْ عِبَادَهُ
1 / 38
بَابُ اسْتِوَاءِ الرَّبِّ ﵎ عَلَى الْعَرْشِ وَارْتِفَاعِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَبَيْنُونَتِهِ مِنَ الْخَلْقِ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا أَنْكَرُوهُ
٤٧ - وَقَدْ قَالَ اللَّهُ ﵎: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ . وَقَالَ: ﴿تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ . وَقَدْ قَالَ: ﴿اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَالُكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ . وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] . وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٨] . وَقَوْلُهُ: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل: ٥٠] . وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠] . وَقَوْلُهُ: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: ٤] . وَقَوْلُهُ: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ ⦗٤١⦘ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا، فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ﴾ [الملك: ١٦] . ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾
٤٨ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَقَرَّتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ بِأَلْسِنَتِهَا، وَادَّعَوَا الْإِيمَانَ بِهَا، ثُمَّ نَقَضُوا دَعْوَاهُمْ بِدَعْوَى غَيْرَهَا، فَقَالُوا: اللَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ. قُلْنَا: قَدْ نَقَضْتُمْ دَعْوَاكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاسْتِوَاءِ الرَّبِّ عَلَى عَرْشِهِ، إِذِ ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ. فَقَالُوا: تَفْسِيرُهُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَعَلَاهُ. قُلْنَا: فَهَلْ مِنْ مَكَانٍ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلُهُ حَتَّى خَصَّ الْعَرْشَ مِنْ بَيْنِ الْأَمْكِنَةِ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَيْهِ، وَكَرَّرَ ذِكْرَهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ؟ فَأَيُّ مَعْنًى إِذًا لِخُصُوصِ الْعَرْشِ إِذْ كَانَ عِنْدَكُمْ مُسْتَوِيًا عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كَاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ ﵎.
٤٩ - هَذَا مُحَالٌ مِنَ الْحُجَجِ، وَبَاطِلٌ مِنَ الْكَلَامِ، لَا تَشُكُّونَ أَنْتُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بُطُولِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ، غَيْرَ أَنَّكُمْ تُغَالِطُونَ بِهِ النَّاسَ.
٥٠ - أَرَأَيْتُمْ إِذْ قُلْتُمْ: هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفِي كُلِّ خَلْقٍ. أَكَانَ اللَّهُ إِلَهًا وَاحِدًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ وَالْأَمْكِنَةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قُلْنَا: فَحِينَ خَلَقَ الْخَلْقَ وَالْأَمْكِنَةَ، أَقَدِرَ أَنْ يَبْقَى كَمَا كَانَ فِي أَزَلِيَّتِهِ فِي غَيْرِ مَكَانٍ؟ فَلَا يَصِيرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْكِنَةِ الَّتِي خَلَقَهَا بِزَعْمِكُمْ، أَوْ لَمْ ⦗٤٢⦘ يَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ يَصِيرَ فِيهَا، أَوَ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالُوا: بَلَى، قُلْنَا: فَمَا الَّذِي دَعَا الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ إِذْ هُوَ عَلَى عَرْشِهِ فِي عِزِّهِ وَبَهَائِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، أَنْ يَصِيرَ فِي الْأَمْكِنَةِ الْقَذِرَةِ وَأَجْوَافِ النَّاسِ وَالطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ، وَيَصِيرَ بِزَعْمِكُمْ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ وَحُجْرَةٍ وَمَكَانٍ مِنْهُ شَيْءٌ؟ .
٥١ - لَقَدْ شَوَّهْتُمْ مَعْبُودَكُمْ إِذْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ صِفَتُهُ، فَلَا بُدَّ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَأْتُوا بِبُرْهَانٍ بَيِّنٍ عَلَى دَعْوَاكُمْ مِنْ كِتَابٍ نَاطِقٍ، أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَنْ تَأْتُوا بشَيْءٍ مِنْهُ أَبَدًا.
٥٢ - فَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِكَلِمَةِ زَنْدَقَةٍ أَسْتَوْحِشُ مِنْ ذِكْرِهَا، وَتَسَتَّرَ آخَرُ مِنْ زَنْدَقَةِ صَاحِبِهِ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ .
٥٣ - قُلْنَا: هَذِهِ الْآيَةُ لَنَا عَلَيْكُمْ، لَا لَكُمُ، إِنَّمَا يَعْنِي أَنَّهُ حَاضِرُ كُلِّ نَجْوَى، وَمَعَ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ بِعِلْمِهِ، لِأَنَّ عَلِمَهُ بِهِمْ مُحِيطٌ، وَبَصَرَهُ فِيهِمْ نَافِذٌ، لَا يَحْجُبُهُ شَيْءٌ عَنْ عِلْمِهِ وَبَصَرِهِ، وَلَا يَتَوَارَوْنَ مِنْهُ بشَيْءٍ، وَهُوَ بِكَمَالِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] . أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِهِمْ مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، فَهُوَ كَذَلِكَ رَابِعُهُمْ ⦗٤٣⦘، وَخَامِسُهُمْ، وَسَادِسُهُمْ، لَا أَنَّهُ مَعَهُمْ بِنَفْسِهِ فِي الْأَرْضِ كَمَا ادَّعَيْتُمْ، وَكَذَلِكَ فَسَّرَتْهُ الْعُلَمَاءُ.
٥٤ - فَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَعُونَا مِنْ تَفْسِيرِ الْعُلَمَاءِ، إِنَّمَا احْتَجَجْنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَأْتُوا بِكِتَابِ اللَّهِ
٥٥ - قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا الَّذِي احْتَجَجْتُمْ بِهِ هُوَ حَقٌّ، كَمَا قَالَ اللَّهُ ﷿، وَبِهَا نَقُولُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، غَيْرَ أَنَّكُمْ جَهِلْتُمْ مَعْنَاهُ، فَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَتَعَلَّقْتُمْ بِوَسَطِ الْآيَةِ، وَأَغْفَلْتُمْ فَاتِحَتَهَا وَخَاتِمَتَهَا، لِأَنَّ اللَّهَ ﷿ افْتَتَحَ الْآيَةَ بِالْعِلْمِ بِهِمْ، وَخَتَمَهَا بِهِ، فَقَالَ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المجادلة: ٧] . فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْعِلْمَ بِهِمْ وَبِأَعْمَالِهِمْ، لَا أَنَّهُ نَفْسُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ مَعَهُمْ كَمَا زَعَمْتُمْ، فَهَذِهِ حُجَّةٌ بَالِغَةٌ لَوْ عَقَلْتُمْ، وَأُخْرَى: أَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ اللَّهِ ﷿ فِي كِتَابِهِ: ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٤] . وَ﴿اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ٢٩] . وَقَوْلَهُ: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: ٣] . وَقَوْلَهُ: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ [السجدة: ٥] . وَ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠] . ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٨] . وَ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] . وَمَا أَشْبَهَهَا ⦗٤٤⦘ مِنَ الْقُرْآنِ آمَنَّا بِهِ، وَعَلِمْنَا يَقِينًا بِلَا شَكٍّ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ كَمَا وَصَفَ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَحِينَ قَالَ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ . قُلْنَا: هُوَ مَعَهُمْ بِالْعِلْمِ الَّذِي افْتَتَحَ بِهِ الْآيَةَ وَخَتَمَهَا، لِأَنَّهُ قَالَ: فِي آيٍ كَثِيرَةٍ مَا حَقَّقَ أَنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، فَهُوَ كَذَلِكَ لَا شَكَّ فِيهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ كُلِّ ذِي نَجْوَى، قُلْنَا: عِلْمُهُ وَبَصَرُهُ مَعَهُمْ، وَهُوَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْعَرْشِ بِكَمَالِهِ كَمَا وَصَفَ، لِأَنَّهُ لَا يَتَوَارَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَفُوتُ عِلْمَهُ وَبَصَرَهُ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا، وَلَا تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦] مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ.
٥٦ - فَهَلْ مِنْ حُجَّةٍ أَشْفَى وَأَبْلَغَ مِمَّا احْتَجَجْنَا بِهِ عَلَيْكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ الرِّوَايَاتُ لِتَحْقِيقِ مَا قُلْنَا مُتَظَاهِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، سَنَأْتِي مِنْهَا بِبَعْضِ مَا حَضَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ إِجْمَاعٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، الْعَالِمِينَ مِنْهُمْ وَالْجَاهِلِينَ، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ مَضَى وَمِمَّنْ غَبَرَ إِذَا اسْتَغَاثَ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ دَعَاهُ، أَوْ سَأَلَهُ، يَمُدُّ يَدَيْهِ وَبَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَدْعُوهُ مِنْهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَدْعُوهُ مِنْ أَسْفَلِ مِنْهُمْ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ، وَلَا مِنْ أَمَامِهِمْ، وَلَا مِنْ خَلْفِهِمْ، وَلَا عَنْ أَيْمَانِهِمْ، وَلَا عَنْ شَمَائِلِهِمْ، إِلَّا مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ، لِمَعْرِفَتِهِمْ بِاللَّهِ أَنَّهُ فَوْقَهُمْ، حَتَّى اجْتَمَعَتِ الْكَلِمَةُ مِنَ الْمُصَلِّينَ فِي سُجُودِهِمْ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، لَا تَرَى أَحَدًا يَقُولُ: رَبِّيَ الْأَسْفَلِ، حَتَّى لَقَدْ عَلِمَ فِرْعَوْنُ ⦗٤٥⦘ فِي كُفْرِهِ وَعُتُوِّهِ عَلَى اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ ﷿ فَوْقَ السَّمَاءِ، فَقَالَ: ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾ .
٥٧ - فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانٌ بَيِّنٌ وَدِلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ أَنَّ مُوسَى كَانَ يَدْعُو فِرْعَوْنَ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ بِأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَمَرَ بِبِنَاءِ الصَّرْحِ، وَرَامَ الِاطِّلَاعَ إِلَيْهِ.
٥٨ - وَكَذَلِكَ نَمْرُودُ - فِرْعَوْنُ - إِبْرَاهِيمَ، اتَّخَذَ التَّابُوتَ وَالنُّسُورَ، وَرَامَ الِاطِّلَاعَ إِلَى اللَّهِ لَمَّا كَانَ يَدْعُوهُ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَنَّ مَعْرِفَتَهُ فِي السَّمَاءِ.
٥٩ - وَكَذَلِكَ كَانَ مُحَمَّدٌ ﷺ يَدْعُو إِلَيْهِ النَّاسَ، وَيَمْتَحِنُ بِهِ إِيمَانَهُمْ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ ﷿
1 / 40
٦٠ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيُّ، ثنا أَبَانُ وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، ﵁ قَالَ: كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي فِي قِبَلِ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، وَإِنِّي اطَّلَعْتُ يَوْمًا اطِّلَاعَةً فَوَجَدْتُ ذِئْبًا ذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، وَإِنِّي رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقُلْتُ: أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟، فَقَالَ: «ادْعُهَا»، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: «فَمَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»
⦗٤٦⦘
٦١ - وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى، ثنا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ
1 / 45
٦٢ - وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ جَارِيَةً لِي تَرْعَى غَنَمًا، فَجِئْتُهَا، فَفَقَدْتُ شَاةً مِنَ الْغَنَمِ، فَسَأَلْتُهَا عَنْهَا فَقَالَتْ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ، فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا، وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا، وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ، أَفَأُعْتِقُهَا؟، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ
٦٣ - قَالَ: «أَعْتِقْهَا» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ ﷿ فِي السَّمَاءِ دُونَ الْأَرْضِ فَلَيْسَ ⦗٤٧⦘ بِمُؤْمِنٍ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأُعْتِقَ لَمْ يَجُزْ فِي رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، إِذْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ. أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَعَلَ أَمَارَةَ إِيمَانِهَا مَعْرِفَتَهَا أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ؟
٦٤ - وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» تَكْذِيبٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَا يُوصَفُ بِ «أَيْنَ»، لِأَنَّ شَيْئًا لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ: «أَيْنَ هُوَ؟»، وَلَا يُقَالُ: «أَيْنَ» إِلَّا لِمَنْ هُوَ فِي مَكَانٍ يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ.
٦٥ - وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَدَّعِي هَؤُلَاءِ الزَّائِغَةُ لَأَنْكَرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَوْلَهَا وَعِلْمَهَا، وَلَكِنَّهَا عَلِمَتْ بِهِ، فَصَدَّقَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَشَهِدَ لَهَا بِالْإِيمَانِ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ كَمَا هُوَ فِي السَّمَاءِ لَمْ يَتِمَّ إِيمَانُهَا حَتَّى تَعْرِفَهُ فِي الْأَرْضِ، كَمَا عَرَفَتْهُ فِي السَّمَاءِ.
٦٦ - فَاللَّهُ ﵎ فَوْقَ عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِذَلِكَ لَمْ يَعْرِفْ إِلَهَهُ الَّذِي يَعْبُدُ، وَعِلْمُهُ مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ بِأَقْصَى خَلْقِهِ وَأَدْنَاهُمْ وَاحِدٌ، لَا يَبْعُدُ عَنْهُ شَيْءٌ، ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُهُ الْمُعَطِّلُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا
1 / 46
٦٧ - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: «بِأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى الْعَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ»
⦗٤٨⦘
٦٨ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ ﵀: وَمَا يُحَقِّقُ قَوْلَ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِلْجَارِيَةِ: «أَيْنَ اللَّهَ»؟، يَمْتَحِنُ بِذَلِكَ إِيمَانَهَا، فَلَمَّا قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَثِيرَةٌ، وَالْحُجَجُ مُتَظَاهِرَةٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ
1 / 47
٦٩ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي قَابُوسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ»
٧٠ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زِيَادَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ ⦗٤٩⦘ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِذَا اشْتَكَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا، أَوِ اشْتَكَى أَخٌ لَهُ، فَلْيَقُلْ: رَبَّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الْأَرْضِ، وَاغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا، وَخَطَايَانَا، أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنْزِلْ شِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ، وَرَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ، فَيَبْرَأَ "
٧٠ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زِيَادَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ ⦗٤٩⦘ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِذَا اشْتَكَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا، أَوِ اشْتَكَى أَخٌ لَهُ، فَلْيَقُلْ: رَبَّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الْأَرْضِ، وَاغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا، وَخَطَايَانَا، أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنْزِلْ شِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ، وَرَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ، فَيَبْرَأَ "
1 / 48
٧١ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثنا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ، وَإِنَّا نِسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ، وَبِاللَّهِ عَلَيْكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَا أَعْرَابِيُّ، وَيْحَكَ، وَهَلْ تَدْرِي مَا تَقُولُ؟ إِنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُسْتَشْفَعَ عَلَيْهِ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، وَسَمَوَاتُهُ فَوْقَ أَرَضِيهِ مِثْلُ الْقُبَّةِ - وَأَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ - وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ»
1 / 49
٧٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ﵁ قَالَ: كُنْتُ بِالْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ، وَفِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: «مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟»، قَالُوا: السَّحَابَ قَالَ: «وَالْمُزْنَ؟»، قَالُوا: وَالْمُزْنَ. قَالَ: «وَالْعَنَانَ؟»، قَالُوا: وَالْعَنَانَ. قَالَ: فَقَالَ: «مَا بُعْدُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟» قَالُوا: لَا نَدْرِي. قَالَ: «فَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ، وَإِمَّا اثْنَتَانِ، وَإِمَّا ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَالسَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ» حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ، وَفَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ، بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ، مَا بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ وَرُكَبِهِنَّ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ، وَعَلَى ظُهُورِهِنَّ الْعَرْشُ، بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ اللَّهُ ﷿ فَوْقَ ذَلِكَ ﵎ "
1 / 50
٧٣ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ مَرَّتْ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ؟»، فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا، كَانَتْ تُمَشِّطُهَا، فَوَقَعَ الْمُشْطُ مِنْ يَدِهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: أَبِي؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، فَقَالَتْ أُخْبِرُ بِذَلِكَ أَبِي؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَا بِهَا، فَقَالَ: مَنْ رَبُّكِ؟، هَلْ لَكِ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ دَعَا بِهَا وَبِوَلَدِهَا فَأَلْقَاهُمْ فِيهَا. وَسَاقَ أَبُو سَلَمَةَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
1 / 51