ولا شيء والحمدلله أبين نورا، ولا أظهر خبرا، من أن يكون خلق خلقا أراد منهم أمرا وكره منهم ضده؛ فأمرهم بما أراده، ونهاهم عما سخطه، ثم خلق لهم ثوابا، وأعد لهم عنده عقابا، ثم استدعاهم إلى الطاعة بالثواب، ونهاهم عن المعصية بالعقاب، فعبد خوفا من عقابه، وأطيع طمعا فيما جعل من ثوابه، كما قال تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون} [السجدة:16]، فجافوا لمخافته وطلب مرضاته منهم الجنوب، وطهروا أنفسهم من الذنوب، وطيبوا منهم السرائر والقلوب، فأمنوا بالطاعة أنفسهم من نحل(1) العاصين، واستوجبوا بذلك اسم المؤمنين، فكانوا كما قال فيهم ووصفهم رب العالمين، حين يقول: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم} [الأنفال: 2]، فخافوا ربهم فاهتدوا، ومن عذابه نجوا.
فلما أعلم الله العباد أجمعين، أن الجنة مصير المؤمنين، وأن النار مقر الفاسقين؛ حذر (2) أولوا الألباب النيران، فأعملوا أنفسهم في الفرار إلى الرحمن، راغبين فيما رغبهم فيه من الجنان.
صفحہ 300