الحمدلله الذي علا على الأشياء بطوله، وتقدس عن مشابهة المخلوقين بحوله، الذي علا فقدر، وقدر فقهر، وعصي فغفر، وأطيع فشكر، الذي لا مثل له فيساويه، ولا ضد له فيناويه(1)، الذي لا تدركه الأبصار، ولا تجن منه الأستار، العالم بما تجن قعور البحور، وما تكن جوانح الصدور، العالم بما سيكون سبحانه من قبل أن يكون، اللطيف الخبير، السميع البصير، الجليل الحكيم(2)، الكريم الرحيم، الذي دنا فنأى، ونأى سبحانه فدنا، رابع كل ثلاثة، وسادس كل خمسة، الداني من الأشياء بغير ملامسة، المحيط بها من غير مخالطة، العالم بباطنها من غير ممازجة، فعلمه بما تحت الأرضين(3) السفلى؛ كعلمه بما فوق السموات العلى، الموجد للأشياء من غير شيء، وجاعل الروح في كل حي، خلق خلقه حين أراده، وإذا شاء سبحانه أباده، بلا كلفة ولا اضطرار، ولا بتخيل ولا إضمار، ولا حاجة منه إلى الأعوان(4)، إذا أراد إيجاد شيء كان بلا كلفة، البريء من أفعال العباد، المتعالي عن اتخاذ الصواحب والأولاد، الذي لم يلده والد فيكون مولودا، ولم يلد ولدا فيكون لذلك(5) محدودا، الخالق غير المخلوق، والرازق غير المرزوق، الذي بقدرته قامت السموات بغير عماد(6)، وفرش لعباده الأرض ذات المهاد، فاستقلت الأقطار، وسجرت(7) البحار، وهطلت الأمطار، ونبتت الأشجار، وجرت الأنهار، وأينعت الثمار. فالق الحب والنوى، ومالك الآخرة والدنيا(8)، زارع كل ما يحرثون، ومنزل الماء الذي يشربون، وخالق النار التي يورون(9)، محصي الأعمال، ومؤجل الآجال، ومجري الأرزاق، ومسبب الأرفاق، الصادق في كل قول قوله، النافذ في كل شيء فعله، الذي أمر ونهى، فأمر بالتقوى، وزهد في الدنيا، ونهى عن العصيان، وحض(1) على الإحسان(2)، وخلق ثوابا، وجعل [عقابا] (3)، فاعد للمطيعين الجنان، وأجج للعاصين النيران، {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} [النجم: 31]، قابل التوبة، مقيل العثرة، مجيب الدعوة، الذي لا يغافص(4) من عصاه، ولا يخيب أبدا من رجاه، يقبل اليسير الصغير، ويعطي عليه الكثير، الذي لم يزل قادرا ولا يزال، فسبحان ذي القدرة والعز والجلال.
أحمده على نعمائه، وأعوذ به من بلوائه، واستجير به من نقمته(5)، وأستديمه لنعمته(6)، الذي شملت خلائقه نعماؤه، وتظاهر عليهم إحسانه وآلاؤه، سائق كل غنيمة وفضل، وكاشف كل عظيمة وأزل(7).
أشهد له سبحانه بالربوبية، وبالعدل والصدق والوحدانية. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مقلب القلوب، الغافر لمن تاب من موبقات الذنوب، البريء المتعالي عن كل نصب ولغوب، البائن عن الصفات، فليست تحده المقالات(8)، ولا تنقصه الساعات، ولا تعروه السنات، المحمود في كل الحالات.
صفحہ 275