وأما ما سأل عنه من إرادة الله في آدم وزوجته (1) حين أسكنهما الجنة، أكانت إرادته خلودهما فيها؟ أم خروجهما عنها؟ وما توهم من هذه الجنة التي كان فيها آدم وزوجته أنها جنة المأوى التي جعلها الله ثوابا للعاملين، ومقرا دائما لعباده المؤمنين.
***
فإنا نقول: إن الجنة التي كان فيها آدم وزوجته هي جنة من جنات(2) الدنيا ذوات الأنهار، والغرف والأشجار، فسماها الله جنة، وهذا فموجود في لغة العرب غير مفقود، تسمي ما كان من الضياع والبساتين ذا فواكه وأشجار وعيون جنانا، أما سمعت إلى قول الله سبحانه، ما أبين نوره وبرهانه، وكيف حكى عن الأمم الماضين، الفراعنة المتجبرين، حين يقول سبحانه: {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين} [الدخان: 26].
وقال: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} [الكهف: 39]، فسمى الله ما كان من الأرضين على ذلك من الحالات، في قديم الدهر وحديثه جنات (3). وإن آدم كان في موضع قد برأه الله له(4) من الأرض كريم، شريف عظيم، خلقه فيه، وأجرى رزقه ومرافقه عليه.
وليس كما ظن الحسن بن محمد وقال، وتوهم من فاحش الظن والمقال؛ أن أهل الجنة منها خارجون، وعنها منتقلون، وأن آدم وحواء كانا فيها ثم أخرجا، وليس كذلك، بل هو كما قال رب العالمين، وأصدق الصادقين، فيمن صار إلى جنة المأوى من عباده الصالحين: {خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه} [البينة: 8].
صفحہ 291