وهكذا لو عرضت عليه الحيوانات المختلفة البنى - جمع بنية - والصور والقوى والخواص، وهي تعيش في منطقة واحدة، ولا تسلم حياتها في سائر المناطق، أو الحشرات المتباينة في الخلقة، المتباعدة التركيب، المتولدة في بقعة واحدة، ولا طاقة لها على قطع المسافات البعيدة لتجلو إلى «تربة» تخالف تربتها، فماذا تكون حجته في علة اختلافها، كأنها تكون كسفا لا كشفا؟
بل إذا قيل له: أي هاد هدى تلك الجراثيم في نقصها وخداجها (¬1) ؟ وأي مرشد أرشدها إلى استتمام هذه الجوارح والأعضاء الظاهرة والباطنة ووضعها على مقتضى الحكمة، وأبدع لكل منها قوة على حسبه، وأناط بكل قوة في عضو أداء وظيفة، وإيفاء عمل حيوي؛ مما عجز الحكماء عن إدراك سره، ووقف علماء الفسيولوجيا دون الوصول إلى تحديد منافعه؟ وكيف صارت الضرورة العمياء، معلما لتلك الجراثيم، وهاديا خبيرا لطرق جميع الكمالات الصورية والمعنوية؟ لا ريب أنه يقبع قبوع القنفذ، وينتكس بين أمواج الحيرة يدفعه ريب، ويتلقاه شك، وإلى أبد الآبدين.
* * *
وكأني بهذا المسكين ما رماه في مجاهل الأوهام ومهامه (¬2) الخرافات إلا قرب المشابهة بين القرد والإنسان، وكأن ما أخذ به من الشبه الواهية ألهية يشغل بها نفسه عن آلام الحيرة، وحسرات العماية، وإنا نورد شيئا مما تمسك به:
فمن ذلك أن الخيل في سيبيريا وبلاد الروسية أطول وأغزر شعرا من الخيل المتولدة في البلاد العربية، وإنما علة ذلك الضرورة وعدمها.
ونقول: إن السبب فيما ذكره هو عين السبب لكثرة النبات وقلته في بقعة واحدة، لوقتين مختلفين، حسب كثرة الأمطار وقلتها، ووفور المياه ونزورها، أو هو علة النحافة ودقة العود، في سكان البلاد الحارة، والضخامة والسمن في أهل البلاد الباردة بما يعتري البدن من كثرة التحلل في الحرارة، وقلته في البرودة.
ومن واهياته ماكان يرويه «داروين» : من أن جماعة كانوا يقطعون أذناب كلابهم، فلما واظبوا على عملهم هذا قرونا، صارت الكلاب تولد بلا أذناب، كأنه يقول: حيث لم تعد للذنب حاجة كفت الطبيعة عن هبته...
وهل صمت أذن هذا المسكين عن سماع خبر العبرانيين والعرب، ومما يجرونه من الختان ألوفا من السنين، ولا يولد مولود حتى يختن، وإلى الآن لم يولد واحد منهم مختونا إلا لإعجاز؟!
صفحہ 10