وزعم فريق ثالث: أن سلسلة النباتات والحيوانات قديمة بالنوع، كما أن الأجرام العلوية وهيئاتها قديمة بالشخص، ولكن لا شيء من جزئيات الجراثيم الحيوانية والبذور النباتية بقديم، وإنما كل جرثومة وبذرة هي بمنزلة قالب يتكون فيه ما يشاكله من جرثومة وبذرة أخرى.
وفاتتهم ملاحظة أن كثيرا من الحيوانات الناقصة الخلقة، قد يتولد عنها حيوان تام الخلقة، كذلك الحيوان التام الخلقة، قد يتولد عنه ناقصها أو زائدها.
ومال جماعة منهم إلى الإبهام في البيان، فقالوا: إن أنواع النباتات والحيوانات تقلبت في أطوار ، وتبدلت عليها صور مختلفة بمرور الزمن وكر الدهور، حتى وصلت إلى هيئاتها وصورها المشهودة لنا، وأول النازعين إلى هذا الرأي «أبيقور» (¬1) أحد أتباع «ديوجينس الكلبي» (¬2) ومن مزاعمه: أن الإنسان في بعض أطواره كان مثل الخنزير، مستور البشرة بالشعر الكثيف، ثم لم يزل ينتقل من طور إلى طور، حتى وصل بالتدريج إلى ما نراه من الصورة الحسنة والخلق القويم، ولم يقم دليلا، ولم يستند على برهان فيما زعمه من أن مرور الزمان علة لتبدل الصور، وترقي الأنواع.
* * *
ولما كشف علوم الجيولوجيا «طبقات الأرض» عن بطلان القول بقدم الأنواع، رجع المتأخرون من الماديين عنه إلى القول بالحدوث، ثم اختلفوا في بحثين:
الأول: بحث تكون الجراثيم النباتية والحيوانية، فذهبت جماعة الى أن جميع الجراثيم على اختلاف أنواعها، تكونت عندما أخذ التهاب الأرض في التناقص، ثم انقطع التكون بانقضاء ذلك الطور الأرضي، وذهبت أخرى إلى أن الجراثيم لم تزل تتكون حتى اليوم، خصوصا في خط الاستواء حيث تشتد الحرارة.
وعجزت كلتا الطائفتين عن بيان السبب لحياة تلك الجراثيم حياة نباتية أو حيوانية، خصوصا بعد ما تبين لهم أن الحياة فاعل في بسائط الجراثيم، موجب لالتئامها، حافظ لكونها، وأن قوتها الجاذبة هي التي تجعل غير الحي من الأجزاء حيا بالتغذية، فإذا ضعفت الحياة، ضعف تماسك البسائط وتجاذبها، ثم صارت إلى الانحلال.
صفحہ 7