الفصل الثاني
بيان المفاسد التي جلبها الماديون على نظام المدنية، ومظاهر الماديين ومقاصدهم، وما أفاده الدين من العقائد والخصال
تخالفت مظاهر الماديين في الأمم والأجيال المختلفة، فتخالفت أسماؤهم، فكانوا تارة يسمون أنفسهم بسمات الحكماء، وينتحلون «الحكيم» لقبا لأفرادهم، وأحيانا كانوا يتسمون بسيما: «دافع الظلم ورافع الجور» ، وكثيرا ما تقدموا لمسارح الأنظار تحت لباس «عراف الأسرار وكشفة الحقائق والرموز، والواصلين من كل ظاهر إلى باطنه، ومن كل بارز إلى كامنه» .
وقد كانوا يظهرون في أوقات بدعوى السعي في تطهير الأذهان من الخرافات، وتنوير العقول بحقائق المعلومات، وتارات يتمثلون في صور «محبي الفقراء، وحماة الضعفاء، وطلاب خير المساكين» ، وكثيرا ما تجرؤوا على ادعاء النبوة، ولكن لا على سنن سائر المتنبئين الكذبة.
كل ذلك توسلا لإجراء مقاصدهم، وترويج مفاسدهم... كيفما ظهر الماديون، وفي أي صورة تمثلوا، وبين أي قوم نجموا، كانوا صدمة شديدة على بناء قومهم، وصاعقة مجتاحة لثمار أممهم، وصدعا متفاقما في بنية جيلهم، يميتون القلوب الحية بأقوالهم، وينفثون السم في الأرواح بآرائهم، ويزعزعون راسخ النظام بمساعيهم، فما رزئت بهم أمة، ولا مني بشرهم جيل، إلا انتكث فتله، وسقط عرشه، وتبددت آحاد الأمة، وفقدت قوام وجودها..
صفحہ 3