وذلك لأنه يلزم على القول بشعور المادة، أن يكون لكل جزء ديمقراطيسي (¬1) شعور خاص، كما يلزم أن تكون له قوة خاصة ينفصل بها عن سائر الأجزاء؛ إذ لا يمكن قيام العرض الواحد - وحدة شخصية - بمحلين، فلا يقوم علم واحد بجزءين ولا بأجزاء، وبعد هذا فإني أسائلهم: كيف اطلع كل جزء من أجزاء المادة - مع انفصالها - على مقاصد سائر الأجزاء؟ وبأية آلة أفهم كل منها باقيها ما ينويه من مطلبه؟ وأي برلمان «مجلس الشورى» ، أو أي سنات «مجلس الشيوخ» عقدت للتشاور في إبداع هذه المكونات العالية التركيب، البديعة التأليف؟! وأنى لهذه الأجزاء أن تعلم - وهي في بيضة العصفور - ضرورة ظهورها في هيئة طير يأكل الحبوب، فمن الواجب أن يكون له منقار وحوصلة لحاجته في حياته إليها؟! وإذا كانت في بيض الشاهين والعقاب، فمن أين لها العلم بأنها تقوم طيرا يأكل اللحوم، فلا بد له من منسر ومخلب يصول بهما في الصيد؛ لاقتناص ما يحتاج إليه من حيوان، ثم ينسر لحمه ليأكله؟!
ومن أين لها أن تعلم، وهي في مشيمة الكلبة، أنها ستكون على صورة أنثى الجرو، ثم تكبر حتى تبلغ حد الإدراك، ثم تكون حبلى لوقت من الاوقات، وقد تلد جراء متعددة في زمن واحد، فهى تهيئ لطبيها (¬1) حلمات كثيرة على حسب حاجة جرائها؟!
ومن لهذه الأجزاء المتبددة أن تدرك حاجة الحيوانات إلى القلب والرئة، والمخ والمخيخ، وسائر الأعضاء والجوارح؟!
لو عقلت هذه الطائفة ما رمى إليه سؤالي هذا لارتكست (¬2) في أفكارها، وانقلبت إلى تيهور (¬3) من الحيرة، لا ترفع منه رأسا، ولا تحير جوابا، إلى أن يتخبطهم شيطان الجهل، فيقولون ولا يعون: إن لكل جزء من هذه الأجزاء الديمقراطيسية، علما بجميع ما كان وما يكون، وبجميع ما في العالم من الأجزاء، علويا كان أو سفليا، ولكل منها حرص على مراعاة نظام الكون وأركانه، فيتحرك كل منها للانضمام إلى الآخر، عل وفق ما يريده من المصلحة؛ حتى لا يقع الخلل في شيء من نظم العالم، عاما كان أو خاصا، وبهذا قام العالم على ناموس واحد.
فإن أفضت بهم العماية إلى هذا القول قلنا:
أولا: يلزمهم أن كل جزء ديمقراطيسي يحتوي على أبعاد غير متناهية، وهو في صغره لا يدرك ولا بالميكروسكوب «النظارة المعظمة» .
وبيان اللزوم: أن العلم عندهم، إنما هو بارتسام الصور المعلومة في ذات العالم، وهو مادي في موضوعنا، فكل صورة معلومة تأخذ منه بعدا بمقدارها، والصور العلمية على هذا الزعم غير متناهية، وكلها يرتسم في مادة الجزء العالم، فيكون في كل جزء - وهو متناه إلى غاية الصغر - أبعاد غير متناهية للصور غير المتناهية، وهذا مما تبطله بداهة العقل.
صفحہ 1