هذه بعض رزايا التليفون من ناحية الإطالة في الحديث في غير جدوى ولا ضرورة أبدا.
وهناك رزايا أخرى، نعرض نماذج يسيرة منها، والله المستعان:
لقد يدق جرس التليفون في الصباح الباكر وأهل الدار نيام في السادسة إذا كان الوقت شتاء، وفي الخامسة إذا كان صيفا، فيهبون مذعورين وقد وجفت قلوبهم، وزاغت أبصارهم وتداركت أنفاسهم؛ لأن التليفون في مثل هذه الساعة لا يمكن أن يفضي بخير، بل قل أن يفضي فيها إلا بالشر الكبير والعياذ بالله، ويتقدم أشجع أهل الدار ويتناول السماعة بيد مرعشة، ويقف سائرهم وقفة منتظري الحكم في الجنايات الخطيرة، ثم إذا هم يسمعون: «لا، النمرة غلط»، فينصرف كل منهم إلى سريره، أو إلى بعض شأنه ما يتكلمون، فقد عقد الذعر ألسنتهم واشتف دماءهم، فما يقوى أحد منهم على الكلام.
وكل ذلك؛ لأن البارد السمج يطلب التليفون في هذا الوقت، لا يجشم نفسه التحري عن الرقم المطلوب، ثم إدارة الآلة طوعا له، فيكفي الآمنين كل هذا البلاء!
ولقد يدق جرس التليفون فتجيبه، فيجري الحديث هكذا: - أنت س عطوة؟ - لا. - أمال أنت مين؟ - أنا مش س عطوة وبس! - طيب ما تقول أنت مين؟ - يا أخي، أنا لست س عطوة الذي تطلبه وكفى! - ده مش محل فلان؟ (ويعين متجرا أو مصنعا). - لا يا سيدي، هذا منزل! - منزل مين؟ - منزل لا شأن لك به يا سيدي! - أما شيء بارد! أما ابن ... صحيح! ويسرع إلى قطع طريق الحديث، والحمد لله!
ولقد يطلبك الطالب، فيسألك: أأنت فلان؟ فإذا سألته اسمه أبي أن يجيبك، أو تبدأ أنت أولا بالجواب عما سأل، وتراجعه في هذا فيلح ويأبى، إذ العرف واللياقة يقضيان بأن يفضي باسمه هو أولا؛ ليدع لك الخيار في حديثه أو الانصراف عنه.
ومما يتصل بهذا المعنى أن يطلبك طالب، فإذا سأله الخادم عن اسمه كان جوابه: بس قل له واحد عايزك، ولا يأذن باسمه أبدا!
ومما يتظرف به الكثير أن يطلبك بعضهم، وقد تكون مشغولا جدا، فإذا استوثق من شخصك، بدأك بالتحية فتحييه بأحسن منها أو مثلها، ثم كررها على ألوان وصور شتى، ولا يسعك إلا أن ترد عليه التحية بالتحية، ثم ما يروعك إلا أن يفاجئك بهذا السؤال: طيب أنا مين؟ - يا سيدي، قل لي حضرتك مين! - بقى مش عارف أنا مين؟ - بماذا تأمر يا سيدي؟ - لازم تقولي أولا أنا مين! - لعل خللا في أسلاك التليفون يغير من صوتك، فاعمل معروف وقل لي من أنت؟ - طيب افتكر كده؟
ولا يزال يلون لك هذا العذاب، أو تخبره من هو أو بعبارة أخرى لتلقنه اسمه، وتقدم إليه شخصه وتعرفه نفسه!
وكيفما كان الحال فقد أضاع وقتك وأثار أعصابك، وأفسد تفكيرك وأحبط سعيك، وحال بينك وبين معاودة عملك، وهكذا يكون التظرف وكذلك يكون الظرفاء!
نامعلوم صفحہ