4
وكيف ظنك بدين يأمر بالإحسان حتى في القتل! قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة.»
أما التمثيل حتى بالحيوان فقد أغلظ هذا الدين في النهي عنه، واشتد في الوعيد عليه، فقد روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: «من مثل بحيوان فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.»
وتلك كانت سنة الغزاة والفاتحين في صدر الإسلام.
وإن تعجب فعجب أن يكون ذلك أدب الإسلام في عصر كان من السائغ المألوف فيه سوم المحكومين المقهورين ألوان الخسف من إهدار الدماء، وتخريب الدور، واستصفاء الأموال، في غير جرم يقترف أو إثم يجترح، حتى كاد يكون ذلك شرعا مشروعا وواجبا مفروضا!
وأما المثل الثاني فأجلوه لك في حادثين مأثورين عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهذان الحادثان معروفان شائعان، وما كنت لآتي بهما لولا أنه قد اقتضى الإلمام بهما نظم المقال، وأولهما ما حكي من أن جبلة بن الأيهم، وكان آخر ملوك بني غسان، أسلم وخرج إلى مكة، فلما كان في بعض طوافه داس رجل من فزارة على طرف ردائه فحل أزراره فلطمه جبلة، فاستدعى الرجل عليه عمر، فدعا به وخيره بين أن يترضى الرجل أو يقيد له منه، فقال: يا أمير المؤمنين، أتقيده مني وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال: ولكن الإسلام سوى بينكما!
وأما الحادث الثاني، فما حكي عن رجل من أهل مصر قدم على عمر، فقال: عائذ بك يا أمير المؤمنين! فقال - رضي الله عنه: عذت بمعاذ! فقال: لقد ضرب ولد عمرو بن العاص ولدي - وكان عمرو يومئذ عامله في مصر - فأرسل في طلبه معه ولده واستقاد من الولد والوالد جميعا، ثم أقبل على عمرو وقال: يا عمرو، بماذا استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟
هذه الأمثلة على قلتها، تريك مبلغ ما يدعو إليه الإسلام من الرحمة بالمقهور والرقة له، وإقامة العدل بين الناس، مهما يكن الفرق بين الظالم والمظلوم، وأخيرا توطيد الحرية وتوكيدها على أنها حق طبيعي للإنسان، كائنا من كان.
نامعلوم صفحہ