وإن من رحمة الله بهذا التاريخ القريب أن كان فيه «الفوتغراف» يسجل الصور، وأن قام فيه «الفوتغراف» يسجل الأصوات، وأن شاعت فيه الصحافة فسجلت أهم الأحداث، على أن هذا كله لا يغني عن التسجيل البياني يصف ما أخطأته تلك الوسائل، ويتدسس إلى ما لا تسلكه من بواطن الأشياء.
أرجو أن يشمر بعض مشيخة الكاتبين في هذا؛ تفقيها لأبنائنا وبرا بتاريخنا لا ينقطع على هذه الصورة، وتيسيرا لسعي المصلحين الاجتماعيين.
قبلة
قال لي صاحبي في بعض حديثه عن خطبه: «... لا أدري أكانت أحلى قبلة أصبتها في حياتي، أم كانت أمر ما ذقت في هذه الحياة جميعا؟ أكانت ألذ ما ظفرت به من لذائذ الدنيا، أم كانت أوجع ما أوجعني وآلم ما برح بي من كل ما لقيته من الآلام والبرح؟ أكانت بردا على كبدي وسلاما أم كانت لهبا وضراما؟
لقد أصبت من جميع أنواع القبل التي يتهيأ للمرء أن يصيب، قبلت الأم وقبلت الولد في جميع حالاته، وقبلت الزوجة وغير الزوجة، وقبلت الصديق آب من سفر مخوف بعيد، وقبلته وقد أبل من علة رجحت فيه كفة الموت على كفة الحياة، على أنني لم أجد لمذاق هذه القبلة نظيرا ولا لطعمها بين كل أولئك شبيها، هي غير أولئك كله وأشد وأعنف من أولئك جميعا!
لقد كانت قبلة طويلة استغرقت مني كل معاهد الحس، واستهلكت كل مجامع الشعور؛ حتى ولو وخزوني بالإبر أو لذعوني بالنار، ما شعرت بشيء ولا أحسست شيئا!
ثم لا أدري بعد ذلك أبدلت في هذه القبلة ما كان قد بقي من عصارة كبدي وحشاشة قلبي، أم ترشفت بها ما عوضني عما اعتصر من حشاشة قلبي، وعصارة كبدي؟
ثم لا أدري أهي التي شاعت في نفسي وملكتها من جميع قطارها، أم أن نفسي هي التي استمالت، بشدة الوجد، قبلة من القبل؟
ثم لا أدري أكنت أغدو بها حياء أم كنت أستمد منها الحياة؟
وسواء أكان الأمر هكذا أم هكذا، فلم تكن هناك نفس وقبلة، فلقد صارتا شيئا واحدا، لك أن تسميه قبلة ولك أن تدعوه نفسا!
نامعلوم صفحہ