وما حدث من ارتداد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد ذلك، خصوصا وأن بعض من أعلن عن ردتهم لم يتأكد ارتدادهم عن الدين، وإنما لم يسلموا الزكاة لولاة أبي بكر، وكأنهم أرادوا بذلك الانفصال عن نظام الدولة الذي لم تعتده العرب قبل ذلك، حتى قال بعضهم:
أطعنا رسول الله عشرين حجة .... فيالعباد الله ما لأبي بكر؟
أيورثها بكرا إذا مات بعده .... فتلك وايم الله قاصمة الظهر!
فدل بهذا على أنه كان مسلما، ولكنه لم يكن يتصور وجود دولة وخليفة يتلوه خليفة كما هو الحال في فارس أو روما، وأن بالإمكان الاتفاق على الدين واستقلال كل قبيلة برعاية شئونها، كما هو حال الدول الإسلامية اليوم.
أضف إلى ما سبق أن كثيرا من زعماء قريش كان لهم تحفظ على ما حدث في السقيفة فبنو هاشم وهم جزء مهم من قريش تفاجئوا بما حدث وأبدوا استغرابهم، وتأخروا عن بيعة أبي بكر، حتى ذكر أن عليا لم يبايع أبا بكر إلا بعد ستة أشهر كما في رواية البخاري وغيره(1). وتفاجأ كذلك بنو أمية حتى أن أبا سفيان سخط مما حدث، وقال: « إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم، يا آل عبد مناف، ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش؟ ثم انطلق إلى علي بن أبي طالب وقال له: ابسط يدك أبايعك، فوالله لو شئت لملأتها عليه - يقصد أبا بكر- خيلا ورجلا»(2). وفي نفس الاتجاه روي أن خالد بن سعيد بن العاص قدم المدينة، وقال لعي وعثمان: أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا لأمر عليكم غيركم؟ ولم يبايع أبا بكر إلا بعد ثلاثة أشهر(3).
وهذا يدل على أنهم لم يكونوا على علم مسبق بما حدث، فضلا عن في التخطيط والتآمر.
صفحہ 24