وقال العلامة المجلسي: «ما رواه أحد من أهل السير وأضاف فقد روى الطبرى وغيره خبر السقيفة من طرق مختلفة خالية كلها من ذكر الاحتجاج بالخبر المروي: أن الأئمة من قريش»(1).
***
وقد أدرك بعض المتحمسين للقول بشرعية ما جرى في السقيفة ضعف دعوى ورود نصوص شرعية في ذلك، فعدلوا إلى الاحتجاج بأن ما حدث يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان بمثابة إجماع من الصحابة على تلك التفاصيل، وإجماعهم حجة يتعين الأخذ بها.
وهذه حجة لا تساعدهم على ما ذهبوا إليه، لأنها مردودة من عدة وجوه:
الأول: أننا قد بينا أن ما حدث كان مجرد فلتة، وأن الصحابة لم يتفقوا عليه أصلا، لا قبل حدوثه ولا بعده، فجميع الروايات تذكر أن ما فعل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة في السقيفة كان بمبادرة منهم ولم يفوضهم أحد من المهاجرين، ثم أنهم واجهوا رفضا ومعاضة شديدة من بعض الصحابة، حتى بعد بيعة أبي بكر.
الثاني: أن ما فعله الصحابة لا يعتبر إجماعا، وإنما هو مجرد فعل من بعضهم سكت عنه بعض آخر؛ باعتباره أمر ممكن ومعتاد لا يلزم فيه إنكار أو تأييد، كأي شأن من شؤون الحياة التي يسكت عنها الناس لاحتمال صلاحه، والفعل لا يعلم منه مراد الفاعل، إلا بالقائن والقرائن مهما بلغت لا تفيد إلا تفيد إلا الظن.
الثالث: أنه يلزم لصحة الإجماع انحصار الصحابة، والعلم بالنقل عن كل واحد منهم، وذلك لم يتحقق، فكيف يقال أن هناك إجماع.
وهذا لا يعني عدم وجود إطار شرعي عام يتحرك فيه نظام الحكم، كتنصيب زعامة تسيير شئون الناس وفق رؤية محددة، كالكفاءة، والعدالة، والاستقامة، وكل ما يتحقق به المقصود من نظام الحكم؛ لأن مبادرة الصحابة إلى بحث شان الخلافة فور وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تدل على أن ذلك مطلب ديني يتناغم مع الفطرة ومتطلبات المجتمع.
صفحہ 22