وكان توقع العباس في محله فما هي إلا لحظات حتى سمعوا تكبيرا في المسجد، فسأل علي: ما هذا؟ فقال العباس: هذا ما دعوتك إليه فأبيت علي! فقال علي: أيكون هذا؟ فقال العباس: ما رد مثل هذا قط! فسكت علي حينها ومضى في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعد الصلاة عليه ودفنه لم يذهب لبيعة أبي بكر وتوقف معه عن البيعة آخرون، العباس والزبير وغيرهم كما في (طبقات ابن سعد)(1).
وفي اليوم التالي وقبل دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجتمع الصحابة في المسجد وأعلن أبو بكر خليفة، وتقدم كثير من الناس لمبايعته، رغم اعتراض بني هاشم وغيرهم على الطريقة التي تم بها اختيار الخليفة.
وهكذا حالت قريش بين الأنصار وبين ما كانوا يسعون إليه، وخرجت من تجربة السقيفة وهي ترى لنفسها حقا طبيعيا في الحكم، بحجة أنها صاحبة الزعامة التاريخية في بلاد العرب، وأن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش، على حد تعبير (أبي بكر)، وأنهم أولياء رسول الله وعشيرته على حد تعبير (عمر بن الخطاب).
***
تلك كانت أحداث يوم السقيفة وما جرى فيها من اضطراب وتضمنت من مفاجئات، كما جاء في أشهر الروايات وأكثرها تداولا، وهي تؤكد أنما جرى جرى تحت تأثير الموروث الاجتماعي بكل ما فيه، وأنه كان أنسب الخيارات المتاحة على رأي فقريش كانت تتمتع بعصبية عشائرية واسعة، ولا يزال كثير من العرب يرى أن الزعامة فيهم، وذلك سيساعد على حفظ الدين وترسيخ دعائمه والإبقاء على هيبته، في وقت كان كثير من العرب لا يزالون حديثي عهد بالإسلام فلا يؤمن تمردهم، كما أن شيئا من العصبية والولاء أمر مطلوب في هذه المواطن، فنحن نشاهد الناس اليوم يفضلون تأييد الأحزاب القوية باعتبارها القادرة على ضبط الأمور وتسيير شئون الناس، ويوكلون إليها قيادتهم.
صفحہ 18