ومن جهة أخرى فإن المعتزلة عرفوا بمنهجهم العقلي وتحررهم الفكري ومحاربة الجمود والتقليد ودورهم الذي لا ينكر في الدفاع عن العقيدة الإسلامية في مواجهة الحملات الفكرية التي كان يشنها أعداء الإسلام من اتباع الديانات الأخرى وغيرهم ضد الإسلام إلى جانب ما تسرب إلى المجتمع الإسلامي وراج بين العامة من أفكار خاطئة ومدسوسة نتيجة ذلك .. كما لا ينكر أن الحضارة الإسلامية على صعيد العلوم والفكر والفلسفة والترجمة شهدت ازدهارا كبيرا خلال الفترة التي سادوا فيها فكريا وسياسيا وبرغم كل ذلك إلا انهم افسدوا أمرهم بارتكابهم لذلك الخطأ القاتل والعمل الشنيع واستغلالهم لنفوذهم في استعداء الدولة ضد خصومهم ودفع المأمون إلى تبني رأيهم في القرآن والإعلان عنها كعقيدة رسمية للدولة وفرضها بالقوة والإكراه على المحدثين والقضاء باعتبار أن استجابة الناس مرهونة باستجابتهم فكان ماكان من محاكمات وامتحانات وحبس وجلد وتنكيل وقتل وغير ذلك مما تجاوزوا فيه حدود الشرع والعقل وخالفوا مبادئهم نفسها القائمة أساسا على الحرية التي اصلوا لها على المستوى النظري أساءوا إليها وصادروها على المستوى التطبيقي فكانت تلك الضجة وتلك المحنة هي غلطتهم الكبرى التي أساءوا فيها للفكر ودفعوا ثمنها غاليا فكرا وفرقة ، بعد أن استمرت محنة خلق القرآن ما يقارب الأربعة عشر عاما حتى إذا ما تولى المتوكل العباسي عام 232ه الذي أراد أن يكسب العامة أقصى المعتزلة ونكل بهم ومنع الكلام والتحدث والجدل والرواية وانتصر للمحدثين وقربهم إليه وأعلى من شأنهم لاسيما الإمام احمد بن حنبل واسند إليهم القضاء وأطلق يدهم على البلاد والعباد جاء انتقام هؤلاء واتباعهم وأنصارهم من العوام والجهله جارفا وعنيفا ومتجاوزا لكل حل ليقضوا على المعتزلة كفرقة والى الأبد وعلى كتبهم ومؤلفاتهم وتراثهم الفكري الضخم والمتميز عدا النزر اليسير مما لم تطاله أيديهم .
صفحہ 5