130

قیم من التراث

قيم من التراث

اصناف

وقد نسأل عن علة هذه الضحالة، ما دمنا قد اعترفنا بالمواهب، وأخذنا في الاعتبار كثرة الأجهزة الرسمية وغير الرسمية التي أنشئت لترعى الحياة الثقافية. وفي ظني أن العلة كامنة في خلل النسبة الملائمة عند توزيع اهتمامنا بدرجات الحياة الثقافية، فبينما شغلتنا فكرة «الجماهير» انصرفنا عن الدرجات العليا، وكأن تلك الدرجات ليست هي نفسها التي ستقدم الغذاء الثقافي المناسب «للجماهير»، وإذا أردت برهانا على خلل التناسب هذا، فانظر إلى محاور الاهتمام الأساسية فيما تقدمه الصحف ووسائل الإعلام.

إلى هنا وحديثي اليوم قد دنا من ختامه، وبقيت أسئلة أخرى كثيرة تستحق العناية والدخول بها في هذا الحوار، فلا مناص من حديث آخر .

لكنني لا أستطيع أن أترك هذا الحديث، دون أن أوجه كلمة مخلصة إلى «قارئة» لجأت بمأساتها إلي كما تلجأ الحفيدة إلى جدها، كما حلا لها أن تقول في رسالتها، فأريد لك يا ابنتي أن تعلمي أنه ما من مخلوق بشري شهدته الدنيا، إلا وقد تنازعت فيه القوتان، أما إحداهما فتدفع نحو إشباع دواعي الفطرة المغروزة في جبلة الإنسان، والتي لا حيلة للإنسان في وجودها، وأما القوى الأخرى فهي الشكائم التي نلجم بها تلك الفطرة عند جموحها، لكي نسير بها في الطريق المشروع. ولئن كنت يا ابنتي - كما تقولين - تؤدين فروض الله، وتقرئين كتابه، ثم ترين نفسك على شيء من ضعف الإرادة قد ينتهي بك إلى زلل، فإنك في كل ذلك إنما تفصحين عما يكتمه الآخرون، وحسبك هذه اليقظة المؤرقة من ضميرك الحي اللوام، لتكوني على يقين بأن السفينة لا بد راسية آخر الأمر في مرفأ الأمان.

حوار على الورق (2)

وأتابع الحوار مع القراء في رسائلهم، فيسأل السيد صلاح الدين الشرنوبي سؤالين، أثبتهما هنا بكلماته، ثم أجيب، يقول:

أولا:

لماذا وبالذات في الدول النامية تكون هناك هوة عميقة بين القول والعمل؟ مع أنها دول تحتاج إلى تقدم وإلى جدية، ولماذا يصدق القول مع العمل في الدول المتقدمة؟

ثانيا:

ما هو المقياس الذي تتبعه الدول النامية في المشاكل التي تواجهها؟ ويؤدي بها دائما إلى طريق مسدود، وإلى حلول مؤقتة، وما هو المقياس في الدول المتقدمة، الذي يؤدي بها إلى حل جميع مشاكلها في جدية وحزم، مما يؤدي بها إلى التقدم المحسوس الذي نشاهده في هذه الدول؟

وعن السؤال الأول، أود قبل الإجابة، أن ألفت النظر إلى خطورة الخطأ الذي كثيرا ما نقع فيه، كلما عممنا القول تعميما لا يتحوط ولا يتحفظ، فلا القول والعمل «دائما» يتباعدان بهوة عميقة في البلاد النامية، ولا هما «دائما» يتطابقان في البلاد المتقدمة. فكثير جدا من أقوالنا نحن، هنا في مصر على سبيل المثال، ولعل مصر هي التي يعنيها صاحب السؤال، أقول إن كثيرا جدا من أقوالنا قد اتسقت مع أعمالنا، في مشروعاتنا الكبرى، وفي مشروعاتنا الصغرى على حد سواء، فإقامة الصناعة - ثقيلها وخفيفها - أراها مسايرة لما استهدفناه عند أول الطريق. وإذا كانت هنالك عثرات في السير، فلا أظن أنها ترجع إلى ما يجوز تسميته بالفجوة بين القول والعمل، والتوسع في التعليم من أولى درجاته إلى أعلى درجاته، أراه كذلك مسايرا لما رجونا. فإذا وجدنا هبوطا في المستوى العام، فليس ذلك راجعا إلى هوة عندنا بين القول والعمل بقدر ما هو راجع إلى ظروف مادية أخرى، كزيادة الأعداد زيادة رهيبة بالنسبة إلى قدراتنا المالية والبشرية، فلا نحن نرضى لأنفسنا أن نوصد أبواب التعليم في أوجه الراغبين فيه، ولا نحن قادرون من الناحية المالية على الأقل، على أن نواجه ذلك الكم الهائل من التلاميذ والطلاب، مواجهة نحتفظ فيها بارتفاع المستوى، وهكذا قل في كثير من جوانب حياتنا.

نامعلوم صفحہ