وقد نقدهم الفلاسفة بعد نقدا شديدا أدى الفيثاغوريين إلى تعديل بعض آرائهم.
فالأعداد إذن عندهم مادة الكون مهما اختلفت أشياؤه وصوره، ولما كانت الأعداد كلها متفرعة عن الواحد لأنها مهما بلغت من الكثرة فهي واحد متكرر، كان الواحد أصل الوجود عنه نشأ وتكون.
ولكن الأعداد تنقسم إلى فردية وزوجية، وهذا علة انشطار الكون إلى محدود ولا محدود، فالفردي اللامحدود، والزوجي المحدود، ولكن كيف ارتبط الفردي باللامحدود والزوجي بالمحدود؟ محل نظر وغموض.
وقد وضعوا قائمة بعشر أضداد هي عماد الكون وهي: (1) الفردي والزوجي. (2) المحدود واللامحدود. (3) الواحد والكثير. (4) اليمين واليسار. (5) الذكر والأنثى. (6) المستقيم والمعوج. (7) السكون والحركة. (8) النور والظلمة. (9) الخير والشر. (10) المربع والمستطيل.
وقد غلوا في نظرياتهم العددية حتى خرجوا بها عن المعقول، وأبعدوا في الوهم والخيال، فيقولون - مثلا - 1 نقطة و2 خط و3 سطح و4 صلب جامد و5 صفات طبيعية و6 حياة ونشاط و7 عقل وصحة وحب وحكمة، وهذا لا يعقل إلا أن يكون رمزا، وقد اشتهروا بالرمز حتى في أقوالهم الحكمية.
3
ويقدسون عدد 10؛ لأنه مجموع الأرقام الأربعة الأولى: 1 + 2 + 3 + 4، ويحلفون به ويضعونه في صورة الهرم هكذا:
وهذا كما ترى: إغراق في الوهم.
ويطبقون المعنويات على نظريتهم في العدد، فيقولون مثلا: إن العدل هو رد المثل إلى مثله، فإذا أساء أحد إلى إنسان أنزل به مثل ما أساء، وشطحوا في ذلك فجعلوا العدالة عددا مربعا؛ لأنه حاصل ضرب عدد متساويين: واختاروا لذلك عدد أربعة؛ لأنه يساوي 2 × 2.
وهكذا ذهبت المدرسة الفيثاغورية إلى أن جوهر الكون أعداد رياضية تتركز كلها في الواحد، وأنت ترى من ذلك أنهم خطوا بالفلسفة خطوة جديدة نحو التفكير المجرد، فبدأت الفلسفة منذ ذلك الحين تتحلل بعض الشيء من تلك النزعة الطبيعية (الفيزيقية) التي سادت عند فلاسفة يونيا لتستقبل صبغة جديدة - هي صبغة الفلسفة في أصح معانيها - أعني التفكير المحض فيما وراء الطبيعة وظواهرها، ولئن كان مجهود المدرسة الفيثاغورية في ذلك الانتقال ضئيلا مملوءا بالأوهام فإن الفلسفة مدينة لهم بالمحاولة الأولى في ذلك على كل حال.
نامعلوم صفحہ