ولو أن المسيحيين سايروا تغلبهم وجاروا تقدمهم، لجاز أن يكتب اليوم لإسبانيا تاريخ آخر، ولكنهم كشأنهم شغلتهم العداوة والبغضاء، ووقع النزاع بين أمرائهم، فحمى ذلك الخليفة من شرهم، واقتنص فرصة تدابرهم للانتعاش من كارثته ولم شعت ما تفرق من جيشه، وأخذ الأهبة لهجوم جديد؛ فقد كانت الفتنة متأججة في قشتالة لمقاومة سيطرة أهل ليون، وكان حاكم قشتالة في هذا الحين فرناندو غونزاليز المشهور
8
الذي غنى بمدحه كثير من الشعراء، فإنه كان بطلا من أبطال إسبانيا، تزوج ببطلة خلصته مرتين من السجن بعد أن ألقاه فيه بعض الحسدة من جيرانه أصحاب نافار وليون، وكانت حيلتها في خلاصه في المرة الثانية أن ارتدت ثياب زوجها وعرضت نفسها للوقوع في أيدي السجانين، أما خلاصه في المرة الأولى فكان قبل زواجها به حينما كان في طريقه ليخطبها من أبيها غرسية ملك نافار الذي قبض عليه أول ما رآه وألقاه في السجن.
وتقص علينا أنشودة إسبانية خبر خلاصه من محبسه فتقول:
لقد حملوا بعيدا كونت قشتالة العظيم إلى نافار، ثم قيدوا رجليه إلى يديه قيدا مؤلما، وطار بهم الفرح، وأولموا الولائم لاقتناصه
حقا إن سجن الملك غرسية يضم أشجع بطل بإسبانيا
ثم يستمر الشاعر فيقص علينا أن فارسا نورمانديا كان مارا بنافار :
ثم جاء وهو يرجو أن يقارع العرب بسيفه في سبيل نصرة المسيح
ثم يقول الشاعر إن هذا الفارس أخبر بنت غرسية بأسر غونزاليز وعدد لها ما في أسره من الضرر الذي يلحق بالمسيحيين بإسبانيا:
إن أسره بهجة ومسرة لقلوب العرب، ولكنه لنا حزن أليم ...
نامعلوم صفحہ