فعجل أيها الموت المرجى
فما لي اليوم في الدنيا حبيب
هكذا تقول الأنشودة الإسبانية، ولكن نهاية لذريق بقيت سرا خفيا إلى اليوم؛ فقد وجد فرسه وخفاه عند شاطئ النهر بعد يوم من المعركة ولم يظهر له أثر، ومن المحقق أنه غرق، وأن النهر حمل جثته إلى المحيط، ولكن الإسبان يأبون أن يصدقوا هذا، فقد ألبسوا الملك الراحل حللا قدسية خفية الأسرار لم يخلعوها عليه في حياته، وجعلوا منه معينا فياضا لكثير من القصص والروايات، وخلعوا عليه صفات المنقذ المخلص، كما فعل الإنجليز بالملك آرثر، فاعتقدوا أنه سيعود مرة أخرى من مقره في بعض جزائر المحيط بريئا من جراحه ليقود المسيحيين لقتال الملحدين.
وجاء في أساطيرهم أنه قضى بقية حياته في أعمال الخير والإنابة، وأن ثعابين أخذت تبتلعه شيئا فشيئا عقابا لما كان يقترف من إثم حتى محيت ذنوبه «فإن عقاب البدن ينقذ الروح من الآلام»، ثم إنه حمل إلى الجزيرة الهادئة المطمئنة، ولا يزال رجاله منذ ذلك الحين ينتظرون أوبته إليهم كما يؤوب الظافر المنتصر.
هوامش
موجة الفتح
لم يكن هذا فتحا كغيره من الفتوح يا أمير المؤمنين، فإن الوقعة كانت أشبه باجتماع الحشر يوم القيامة ...
هكذا كتب موسى بن نصير أمير إفريقية إلى الخليفة الوليد في وصف انتصاره بموقعة وادي لكة.
وليس عجيبا أن يدهش المسلمون لنصرهم المؤزر الحاسم، أو أن يتملكهم الزهو بهذا الفتح المبين؛ لأننا إذا ألقينا جانبا الأساطير والأوهام التي لفقها مؤرخو الإسبان حول سقوط لذريق، ورجعنا إلى التاريخ المتئد غير المتحيز، رأينا أن انتصار المسلمين في وادي لكة ألقى بإسبانيا كلها في أيدي العرب؛ فقد ربح طارق ومن معه من الاثني عشر ألف بربري الجزيرة جميعها، ولم يكن في حاجة إلا إلى قليل من الجهد ليقضي على المقاومة الخائرة في بعض المدن.
ولم يضع طارق وقتا في متابعة انتصاره؛ فقد تقدم هذا القائد المجدود بلا تردد متحديا أمر موسى الذي كان يتحرق حسدا لما ناله جنديه البربري من المجد الذي لم يكن يخطر له ببال، وقسم طارق قوته ثلاث فرق أو كتائب وبثها جميعا في شبه الجزيرة، فأخضع مدينة إثر مدينة بعد مقاومة لا تكاد تذكر.
نامعلوم صفحہ