وعندما كانت ليانا توجه إليه مثل هذا الحديث، وريقها يجري وهي تفكر في شحم الخنزير، كان العجوز يرد في هدوء: خنزير ... إن لحمه كثير ... ويمكن أن يتلف ونحن لسنا غير اثنين لنأكل منه.
وعندما يقترب عيد الفصح كانت تسأله: «هل سيكون لدينا نحن أيضا يا عمي بيض أحمر من أجل العيد؟» - يا للحماقة! ... بيض أحمر؟! أوليس من الأفضل أكله طازجا؟ ... بيض أحمر نحتفظ به عدة أيام؟! - فلنكتف بتلوين عدد قليل. - إذا لم نلون إلا عددا قليلا، فإننا سنوقد النار عبثا، ونبذر في اللون، أي سنرمي النقود! الزمان صعب يا ابنة أختي. - إذن ... فقطعة مشوية من حمل. - حمل؟! أي نوع من الحملان؟! ثم كيف؟ وللحمل رائحة النعاج ... وعيد الفصح يقع هذا العام قريبا من الصيف. - أتسمي هذا صيفا يا عم تيدوز؟ أوما ترى المطر والجليد؟ - الجليد؟! كيف؟ ... إنه ليس جليدا، فهو يذوب بسرعة وأنا أختنق من الحر ... أف ... - وأنا أموت من البرد! - تموتين من البرد؟ ... موتي ... وهكذا عرفتك دائما نهمة ... ناكرة للجميل.
وتصمت لينا وتعلج لجامها، وهي فقيرة ليس لها أحد في العالم.
تصمت لأنه عندما يغضب العجوز يصيح ويصك الباب، ثم يرتمي على السرير، ويئن حتى منتصف الليل، ناسيا حتى أن يعطيها شيئا من الخبز.
ومنذ شبابه المبكر كان الحاج طفلا عاقلا «واعيا»، ولم يكن أحد يسمع مناغاته، ولا صوت خطواته ... ولم يكن يستخدم حذاءه أو يمزق ثوبه، وعندما يمسك بشيء يحكم قبضته عليه.
وبعد ذلك عمل صبيا في ورشة للأشرطة المطرزة، وكان يتحدث برشاقة وحرارة مع رفاقه في العمل، ويقول: «منذ أن كان طولي لا يتجاوز طول حذاء وأنا أفهم كيف يسير العالم، وقد أدركت أن خرقة من القماش يعثر عليها الإنسان في صندوق زبالة تمثل عملا إنسانيا، ويمكن أن يمتلكها الإنسان إذا احتفظ بها في عناية، وعندما كانت أمي تعطيني فلسا لكي أشتري فطيرا، كنت أبحث أولا في حقيبة كتبي، فإذا وجدت فيها قطعة من الخبز اكتفيت بها، وهلا يشبع الخبز الجوع، وإذن فلماذا الفطيرة؟ وكنت أدخر قطعة النقود ... قطعة من هنا، وقطعة من هناك، وها أنا أجمع بسرعة عددا منها ... يمكنكم أن تضحكوا، ومع ذلك فمن الممكن أن تجروا بين أيديكم قطعا من النقود، وسترون كيف ترطبكم في الحر وتدفئكم في البرد، ويكفي أن تفكروا فيما يمكن أن تستخدم فيه النقود؛ لكي تستشعروا نفس المتعة التي يمكن أن تستشعروها عندما تشترون بها فعلا شيئا ما، وعندما يستشعر الإنسان المتعة، فما الداعي لتملك الشيء المشترى؟
يمكنكم أن تضحكوا كما تشاءون، وأي شيء أكثر إشراقا من حفنة من القطع الذهبية المبسوطة فوق مائدة؟ نعم يمكنكم أن تضحكوا ... يمكنكم أن تضحكوا حتى القهقهة، فما أنتم إلا مبذرين لن تتذوقوا في حياتكم كلها المتعة الحقيقية.
وذات يوم لمحه صبي آخر ويداه ترتعشان، وعيناه تبرقان كلما تحدث عن النقود، فقال له - ممازحا: «إنك يا رفيقي تجمع وتدخر، ثم يأتي يوم تطير فيه مدخراتك، وعندئذ تستطيع أن تجري وراءها.»
وعندما سمع تيودوز هذه العبارات الآثمة، نهض واقفا على طرفي قدميه، وجمع قبضة يده وحملها إلى فمه، وصاح مغلق العينين: «عندما تستطيع أن تدس الأرض كلها في جيوبك ... عندئذ فقط ستستطيع أن تسرق نقودي! تأكد من ذلك! نعم تأكد من ذلك! ثم إنني ليس لدي فلس واحد، وفي وقتنا الحاضر لا يستطيع أحد أن يدخر شيئا على الإطلاق.»
كان تيودوز يعمل كثيرا ويجمع النقود، ولا يشرب ولا ينظر إلى بنات الحي، ولا يأكل إلا الخبز مبللا بالنبيذ الرخيص، وبعد عشر سنوات كان قد استثمر جزءا من ماله مع صاحب الورشة، وبعد ذلك بخمس سنوات أخرى أصبح شريكا معه مناصفة.
نامعلوم صفحہ