قصص مملة جدا

مهند رحمه d. 1450 AH
125

قصص مملة جدا

قصص مملة جدا

اصناف

لالاند كذلك، ها هنا، يعبر عن حقيقته الخاصة.

يتقافز الطائر على الحائط مجددا، ينظر لي متعجبا، أسمع سؤاله في ذهنه قبل أن ينطق به، نعم يا سيدي الطائر، حتى وجودي ذاته!

أنت لست أنت، بالمعني الحرفي المتجرد من كل إضافات المعنى؛ فوجودك اللحظي شيء مؤقت لسلوك المادة، كل ذرات جسدك المادية تتشكل مؤقتا لتشكل وجودك الحالي، كل خلايا جسدك تموت وتولد من جديد، تغيرت بكاملها منذ طفولتك كما يغير الثعبان جلده، فقط تبقى الذكريات في الدماغ كشيء مرجعي يؤمن لك ثبات هويتك، لذا فإن الماضي وهم آخر، أنت كائن جديد، لست ذات الشخص الذي كنته قبل عامين.

أنت لست أفكارك، هي أشياء تحملها معك كما تحمل أي متاع آخر، لذا من الحماقة أن نغضب على من يحمل متاعا آخر مخالف، الأنا الذاتية مفردة متفردة ومنفصلة عن الأفكار والمشاعر والجسد، كينونتك شيء غير محسوس أو مفهوم، متعال عن كل صفاتك، كل أفكارك، وقناعاتك، ومثلك العليا، ومبادئك، وإلهك الذي تعبد، كل تلك الأسس المعرفية التي تسلم لها نفسك وتؤمن بها بلا نقاش ليست حقيقتك، هل تساءلت يوما كيف ستكون أفكارك لو كنت قد ولدت في مكان آخر؟ الصين أو الهند أو المكسيك أو روسيا!

بالتأكيد ستكون مختلفة جدا عما تؤمن به الآن، لكنك ستدافع عنها بذات الحماس، وقد تموت أو تقتل من أجلها، على أنها الحقيقة، وكل الحقيقة.

أنت، وأفكارك، ومبادئك، وتاريخك، ودينك، نتاج صدفة الجغرافيا، ولا شيء سواها.

نعيش وفق ما نفكر، ونفكر وفق ما نعرف، وما نعرفه، تمت تغذيتنا به منذ الطفولة بلا إدراك واع منا، ملايين التفاصيل الصغيرة، ملاين الأفكار الأشد عمقا في ثنايا خلايا دماغك، شكلت بناءك الذهني بالكامل، مفاهيمك الأشد عمقا عن الصواب والخطأ، الجمال والقبح، الخير والشر، الله والشيطان، الأخلاق، كلها مفاهيم تلبستها بلا وعي منك، ما تؤمن به وتدافع عنه لم تعتنقه بناء على مدى قربه من الحقيقة أم لا، إنما ورثته من والديك ومجتمعك، ترث دينك وأفكارك كما ترث أمراضك ولون بشرتك وعينيك.

أنت قمامة فكر متراكم ... منتوج ثانوي لما فكر فيه آخرون دونا عنك ... لكنك تتبنى أفكارهم على أنها أفكارك الخاصة، وتمتزج بها وتتحد، وتدافع عنها بشراسة دفاعك عن نفسك. تنسى أن كينونتك شيء آخر، يجعلك غرورك الأجوف لا ترى أبعد من مدى قدميك، وتصادم المختلف عنك؛ فالجميع يؤمن أنه حاز مطلق الحقيقة ووجد جادة الصواب.

نبتعد عن الحقيقة بمقدار ثقتنا في امتلاكها.

ثم تحاول أن تتحرر في عقلك، فتتمرد على الواقع وتخالف القطيع، وتنسف أفكار مجتمعك وتتمرد على الثقافة والدين والعادات، تهدم بناءك العقلي بالكامل، وتهرب منه إلى بناء عقلي آخر تتخذه أساسا لميلاد فكرك الجديد، تهرب إلى النقيض، تخرج من حظيرة مجتمعك إلى حظيرة مضادة وتتبنى الضد، ثم تظن - بحماقة - أنك قد تحررت من قيود الخرافة وكسرت أغلال التابو، في الواقع، أنت بدلت حظيرتك بأخرى أوسع!

نامعلوم صفحہ