والحق أن جنان أعجبت بالدكتور مرزوق غاية الإعجاب، وكانت تتمنى أن تقبله سوسن زوجا لها. ولهذا كانت تنتهز كل فرصة لتقنع ابنتها بقبوله، وكانت تلتمس كل وسيلة لهذا الإقناع. فسيارته «البويك» البديعة، ومستشفاه الذي يتحدث الجميع عنه، وسفره كل صيف إلى أوروبا، وسيجاره الضخم الفخم الذي لا يكاد يفارق يده، وسمعته الطنانة الرنانة، وثروته التي يتحدث الناس عنها، حتى ليقولون إنه يريد أن يبني لنفسه مستشفى خاصا، ورزانته ورقته وظرفه ... ألا يعدل ذلك كله فارق السن الذي تتحدث عنه سوسن؟ وهل الأعمال بالسنين؟ ألا يموت الشبان ويبقى غيرهم أطول العمر؟ ألم يمت أبوها وهو في عز فتوته، وفي قمة مجده؟!
ذلك كله كانت جنان تكرره لابنتها، تحاول أن تحملها على تغيير رأيها. كما كانت تنصح لها أن تكون الظرف والرقة في حديثها مع مرزوق، أيا كانت النتيجة التي ينتهيان إليها.
وجاء الدكتور مرزوق لموعد آخر ضربته جنان، فألفاها وحدها، وسأل عن سوسن فقالت أمها إنها ستكون معها عما قليل. وأخذ الخاطب والأم يتحدثان في أمور شتى، أشار الدكتور في أثنائها إلى عمله ونجاحه فيه. وذكرت جنان إعجابها بمقدرته، وعظيم أملها في أن يوفق الله ابنتها إلى الرأي الذي تريده، حتى تفرح بهما عروسين يشرحان قلبها.
وطالت غيبة سوسن، فبعثت أمها في طلبها. وجاءت الخادم تذكر أن سيدتها الصغيرة شعرت في اللحظة الأخيرة بمغص، فهي تعتذر من عدم النزول!
قالت جنان: «اسمح لي يا دكتور أن أراها هنيهة ثم أعود إليك.»
وصعدت تسأل ابنتها ما لها. قالت سوسن: لا طاقة لي بالنزول، فتصرفي بما تشائين.
وعادت جنان، فاعتذرت إلى مرزوق، وقالت: لعلك تستطيع أن تراها من بعد، وسأدعوك إلى الموعد الذي تلقاها فيه عما قريب!
وانصرف مرزوق وهو يسائل نفسه: ما هذا المغص المفاجئ الذي ألم بالفتاة؟
ويذكر أن ما جرى بينه وبينها من حديث، حين تركتهما أمها المرة الأولى، لم يكن يدل على اغتباطها بخطبته إياها. ثم يذكر ما في نظراتها من دلالة على الحزم وصلابة الرأي. وقال فيما بينه وبين نفسه: «لو أن هذه الفتاة ورثت من أمها ظرفها ورقتها، كما ورثت منها ذكاءها وثقافتها، لكمل لها كل ما أطمع أن يكون في الزوجة التي أبحث عنها. ولما أبدت هذا الجفاء من جانبها نحوي، على أية حال يجب أن أحسم الأمر، إذا دعتني أمها إلى مقابلة أخرى، فلست أريد أن يطول أكثر مما طال!»
وتحدثت جنان إلى ابنتها بعد انصراف الدكتور، تعاتبها على عدم النزول إليهما. قالت الفتاة: لقد انتهى رأيي أن لا أقبل الزواج منه، فما فائدة مقابلتي إياه؟! لقد قلت لك منذ حدثتني في الموضوع لأول مرة إنني أشعر حين يخاطبني بأنه أبي أو عمي، فلا بأس عليك أن تذكري له أن فارق السن بيننا لا يسمح بزواجنا!
نامعلوم صفحہ