قیصر اصفر
القيصر الأصفر: ومسرحيات أخرى شرقية
اصناف
نعرف، نعرف. أنت الليلة تمثل الدور الذي لم يعد أحد بيننا يتذكره، وها هو القمر.
الرجل الأول :
أجل، أجل. نفس الوجه الضاحك الذي راح يطل علي وأنا أغادر كوخه. ومن يومها تعلمت أن أرفع رأسي إلى السماء لأنظر إلى القمر الذي لم أهتم مرة واحدة بالنظر إليه! كنت مشردا ضائعا كما تعرفون، لكنني كنت أملك تلك الشجاعة التي تدفع اللصوص إلى اقتحام البيوت وتفتيشها؛ بحثا عن شيء يعتقدون أنه سرق منهم، ومن حقهم أن يستردوه! كانت ليلة قارصة البرد. وكلما تذكرت عضة الجوع ولسع البرد حمدت السماء على الحساء الدافئ الذي يستقبلني في المساء كلما رجعت إلى بيتي. لم أجد في نفسي القوة على جر رجلي إلى هذه القرية التي لم أكن أعرفها. وعندما وصلت إلى الوادي ورأيت بصيصا من النور يتسرب من هذا الكوخ تأكدت من أنني سأجد الدفء ولو للحظات، أو سأجد الملابس التي تستر عريي. وتأكد ظني بعد أن فتحت الباب فلم أجد أحدا في داخله، ورحت أقلب الكوخ رأسا على عقب، فلم أعثر على شيء يمكنني حمله معي، حتى اللقمة الجافة لم أجدها فيه. وفجأة أحسست يدا تربت على كتفي وترد إلي نفسي المذعورة بلمستها الحنون. التفت فرأيته أمامي. طويلا نحيلا تشع البسمة من وجهه الأسود كالفحمة. ارتعش جسدي كله وحاولت أن أخرج كلمة واحدة. لكن صوته الطيب المتهدج امتد نحوي كأنه طوق النجاة: أعلم أنك قطعت طريقا طويلا لتزورني. يؤسفني أن لا تجد عندي شيئا تأخذه معك. هاك ردائي فخذه. وقفت مذهولا أمامه. والرعشة تنفضني وتحبس صوتي. وازداد ذهولي وأنا أراه يخلع رداءه الوحيد ويقدمه لي هامسا: لا يصح أن تخرج من عندي خالي اليدين. هاك ردائي فخذه. ومددت يدي فتناولته منه دون أن أنتبه إلى ما فعلت. وقبل أن أبلغ السفح التفت إلى الكوخ فرأيته يجلس عاريا أمامه وهو يرفع كفيه إلى القمر ويقول: مسكين! تمنيت لو أستطيع أن أهديه هذا القمر البديع! (الجميع يضحكون.)
الرجل :
لكنك زرته بعد ذلك.
الرجل الأول :
نعم نعم، ولم أكن وحدي. كان في صحبتي خمسة من زملائي الذين طالما أدبوا التجار الجشعين وأبكوا ملاك الأرض على أغنامهم وأبقارهم، ودون أن يقول كلمة واحدة ابتسم في وجوهنا وأخذ يتمتم وهو يبتهل إلى السماء: أيتها الأرض الأم، ها هم يرجعون إليك. وشعرنا أنه يعرينا من أقنعة ذنوبنا، ويخلع علينا ملابس المتعبين المبللة بقطرات العرق ومياه القنوات والحقول.
الرجل :
ومن يومها ونحن نشرب من عرقكم ونأكل من حصادكم.
الرجل الأول :
نامعلوم صفحہ