في جواز إجراء أصل العدم في ماهية العبادات كنفس الاحكام والمعاملات بل الظاهر أنه لا خلاف فيه كما يظهر من كلمات الأوايل والأواخر ولم نقف على تصريح بخلافه في كلام الفقهاء وأما ما نراه كثيرا في كلماتهم من التمسك بالاحتياط واستصحاب شغل الذمة فهو إما مبني على مسألة الاحتياط والقول بوجوبه وستعرف ضعفه أو تأييد الدليل به فلاحظ الانتصار وقد يتمسك بالاجماع وطريقة الاحتياط في إثبات أصل الحكم كما تمسك به في وجوب صلاة العيدين خلافا للشافعي وفي مسألة المنع عن صلاة الأضحى وغير ذلك وأما استدلالهم بالأصل في مهية العبادات فهو فوق حد الاحصاء وكيف كان فالمتبع هو الدليل ولا ينبغي التوحش مع الانفراد إذا وافقنا الدليل فكيف وجل الأصحاب إن لم نقل كلهم متفقون في عدم الفرق فمن يعمل بالأصل لا يفرق بين العبادات وغيرها فنقول أن من اليقينيات إنا مكلفون بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله من الاحكام والشرائع والعبادات وكما أن سبيل القطع بمعرفة الاحكام كما وردت منسد لنا فكذلك بمعرفة مهية العبادات وكما يمكن أن يقال التكليف بالعبادات أمر بشئ غير معلوم لنا ولا يحصل الامتثال بها إلا بإتيانها بماهياتها كما وردت فكذلك سائر الأحكام الشرعية غير معلوم لنا ولا يحصل الامتثال بها إلا بإتيانها بماهياتها كما وردت وكما أن انسداد باب العلم مع بقاء التكليف بالضرورة وقبح تكليف ما لا يطاق يوجب جواز العمل بالظن في الاحكام بعد التفحص والتجسس عن الأدلة وحصول الظن بسبب رجحان الدليل على المعارضات أو بسبب أصالة عدم معارض آخر فكذلك في ماهية العبادات وكما لا يمكن في ماهية العبادات التمسك بالأصل قبل الفحص والتفتيش واستفراغ الوسع فكذلك لا يمكن ذلك في نفس الاحكام وسيجئ الكلام في ذلك مستقصى في مباحث التخصيص ومباحث الاجتهاد والتقليد فنقول أنه لا مانع من إجراء أصالة العدم في إثبات مهية العبادات كنفس الاحكام إذ لو قيل أن المانع هو أن اشتغال الذمة بالعبادة في الجملة قاطع لأصالة العدم السابق فيصير الأصل بقاء شغل الذمة حتى يثبت المبرء فمثله موجود في الاحكام أيضا فإن اشتغال الذمة بتحصيل حقيقة كل واحد من الاحكام الذي علم إجمالا بالضرورة من دين محمد صلى الله عليه وآله قاطع ولذلك اشترطوا في إعمال أصل البراءة وأصالة العدم في الأحكام الشرعية الفحص عن الأدلة أولا فنحن نعلم جزما أن لغسل الجمعة مثلا حكما من الشارع لا نعلمه فبعد البحث والفحص وعدم رجحان دليل الوجوب نقول الأصل عدم الوجوب والأصل عدم معارض آخر يترجح على ما ظهر علينا من أدلة الاستحباب ولا يمكننا ذلك قبله ولا يوجب امتزاج أمور متعددة وثبوت حكم فيها الفرق في ذلك فكما نتفحص من حكم المفرد وبعد استفراغ الوسع نستريح إلى أصل
صفحہ 55