قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Izz al-Din ibn Abd al-Salam d. 660 AH
57

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

ناشر

مكتبة الكليات الأزهرية

پبلشر کا مقام

القاهرة

الضَّرْبُ الثَّانِي مَا ظَهَرَتْ لَنَا مَصْلَحَتُهُ، وَلَهُ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَلَّا تُعَارِضَ مَصْلَحَتُهُ مَفْسَدَتَهُ وَلَا مَصْلَحَةً أُخْرَى، فَالْأَوْلَى تَعْجِيلُهُ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ تُعَارِضَ مَصْلَحَتُهُ مَصْلَحَةً هِيَ أَرْجَحُ مِنْهُ مَعَ الْخُلُوِّ عَنْ الْمَفْسَدَةِ، فَيُؤَخَّرُ عَنْهُ رَجَاءً إلَى تَحْصِيلِهِ، وَإِنْ عَارَضَتْهُ مَفْسَدَةٌ تُسَاوِيهِ قُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ التَّعْجِيلِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا خَلَا عَنْ الْمُعَارِضِ. وَالضَّابِطُ أَنَّهُ مَهْمَا ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ الْخَلِيَّةُ عَنْ الْمَفَاسِدِ يَسْعَى فِي تَحْصِيلِهَا، وَمَهْمَا ظَهَرَتْ الْمَفَاسِدُ الْخَلِيَّةُ عَنْ الْمَصَالِحِ يَسْعَى فِي دَرْئِهَا، وَإِنْ الْتَبَسَ الْحَالُ احْتَطْنَا لِلْمَصَالِحِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهَا وَفَعَلْنَاهَا، وَلِلْمَفَاسِدِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهَا وَتَرَكْنَاهَا. وَإِنْ دَارَ الْفِعْلُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَتَيْنَا بِهِ، وَهَذَا فِيمَا لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِيهِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ عَنْ النَّفْسِ فَإِنَّهُ مَحْبُوبٌ عَلَى قَوْلٍ وَوَاجِبٌ عَلَى آخَرَ. وَأَمَّا مَا تُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ حَزْمِ النِّيَّةِ، وَإِنْ دَارَ بَيْنَ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَأَتَيْنَا بِهِ، وَإِنْ دَارَ بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ وَاجْتَنَبْنَاهُ، وَإِنْ دَارَ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَتَرَكْنَاهُ. وَقَدْ جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ بِمَدْحِ السُّرْعَةِ فِي أُمُورٍ كَالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَضَرْبِ الرِّقَابِ فِي الْقِصَاصِ، لِمَا فِي السُّرْعَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ تَهْوِينِ الْمَوْتِ، وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَمَرَ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ وَالذِّبْحَةِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا قِصَاصُ الْأَطْرَافِ تُحْمَدُ فِيهِ السُّرْعَةُ. وَلَوْ صِيلَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي نَفْسٍ أَوْ بِضْعٍ أَوْ مَالٍ بِحَيْثُ لَوْ اقْتَصَرْنَا فِي الدَّفْعِ عَنْهُ لَتَحَقَّقَتْ الْمَفْسَدَةُ، فَإِنَّ السُّرْعَةَ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ وَاجِبٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا. وَكَذَلِكَ السُّرْعَةُ فِي الْقِتَالِ وَمُكَافَحَةِ الْأَبْطَالِ، وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ الْمُسَارَعَةَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأَثْنَى عَلَى الْمُسَارِعِينَ فِيهَا، وَقَالَ مُوسَى ﵇ ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: ٨٤] . وَقَدْ جَعَلَ لِمَنْ قَتَلَ الْوَزَغَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ مِائَةَ حَسَنَةٍ، وَلِمَنْ قَتَلَهُ بِضَرْبَتَيْنِ سَبْعِينَ حَسَنَةً، لِمَا فِي

1 / 59