211

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

ناشر

مكتبة الكليات الأزهرية

پبلشر کا مقام

القاهرة

فَصْلٌ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعِبَادَةِ إذَا كَانَ الْغَرَضُ بِالنِّيَّاتِ التَّمْيِيزَ كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ تَقْتَرِنَ النِّيَّةُ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ لِيَقَعَ أَوَّلُهَا مُمَيَّزًا ثُمَّ يُبْتَنَى عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، إلَّا أَنْ يَشُقَّ مُقَارَنَتُهَا إيَّاهَا كَمَا فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي نِيَّةِ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ، لِمَا فِي التَّوْكِيلِ فِي إخْرَاجِهَا مِنْ مَصْلَحَةِ الْإِخْلَاصِ وَدَفْعِ إخْجَالِ الْفَقِيرِ مِنْ بَاذِلِهَا، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ النِّيَّةُ عَنْ أَوَّلِ الْعِبَادَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّ مَا مَضَى يَقَعُ مُرَدَّدًا بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ، أَوْ بَيْنَ رُتَبِ الْعِبَادَةِ، وَإِنْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ فَإِنْ اسْتَمَرَّتْ إلَى أَنْ شَرَعَ فِي الْعِبَادَةِ أَجْزَأَهُ مَا اقْتَرَنَ مِنْهَا بِالْعِبَادَةِ وَإِنْ انْقَطَعَتْ النِّيَّةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ لَمْ تَصِحَّ الْعِبَادَةُ لِتَرَدُّدِهَا، فَإِنْ قَرُبَ انْقِطَاعُهَا أَجْزَأَتْ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّهَا إذَا انْقَطَعَتْ وَقَعَ ابْتِدَاءُ الْعِبَادَةِ مُرَدَّدًا فَإِنْ اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ السَّابِقَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَعِيدِهَا وَقَرِيبِهَا لِتَحَقُّقِ تَرَدُّدِهَا ابْتِدَاءَ الْعِبَادَةِ مَعَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَصْحِبَ ذِكْرَ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ النِّيَّاتِ، وَلَا يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، لِأَنَّ قَلْبَهُ مَشْغُولٌ عَنْ ذِكْرِ النِّيَّةِ بِمُلَاحَظَةِ مَعْنَى الْأَذْكَارِ وَالْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ، فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِالْأَهَمِّ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى مِنْ مُلَاحَظَةِ النِّيَّةِ وَذِكْرِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَمَا يَنْوِي سَائِرَ الصَّلَاةِ؟ فَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرْطٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُفْرَدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ.
(فَائِدَةٌ) يَكْفِي فِي الْعِبَادَاتِ نِيَّةٌ فَرْدَةٌ لِقَوْلِهِ ﵇: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀ فِي الصَّلَاةِ: يَنْوِي مَعَ التَّكْبِيرِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ النِّيَّةِ

1 / 213