204

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

ناشر

مكتبة الكليات الأزهرية

پبلشر کا مقام

القاهرة

النَّوْعُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ مَا الْتَبَسَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَأَدِلَّتِهَا وَمُتَعَلِّقَاتهَا
النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: الظُّنُونُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ وَأَسْبَابِهَا وَسَائِرِ مُتَعَلِّقَاتِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ إذْ لَوْ شُرِطَ فِيهَا الْعِلْمُ لَفَاتَ مُعْظَمُ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، وَلَا يَكْفِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَوْصَافِ الْإِلَهِ إلَّا الْعِلْمُ أَوْ الِاعْتِقَادُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الظَّانَّ مُجَوِّزٌ بِخِلَافِ مَظْنُونِهِ، وَإِذَا ظَنَّ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْإِلَهِ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ نَقِيضَهَا وَهُوَ نَقْصٌ وَلَا يَجُوزُ تَجْوِيزُ النَّقْصِ عَلَى الْإِلَهِ، لِأَنَّ الظَّنَّ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَجْوِيزِ نَقِيضِ الْمَظْنُونِ، بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ لَوْ ظَنَّ الْحَلَالَ حَرَامًا وَالْحَرَامَ حَلَالًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَجْوِيزَ نَقْصٍ عَلَى الرَّبِّ ﷾، لِأَنَّهُ لَوْ أَحَلَّ الْحَرَامَ وَحَرَّمَ الْحَلَالَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْصًا فَدَارَ تَجْوِيزُهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالٌ، بِخِلَافِ الصِّفَاتِ فَإِنَّ كَمَالَهَا شَرَفٌ وَضِدَّهُ نُقْصَانٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَعَارِفِ وَالِاعْتِقَادَاتِ الْوَاجِبَةِ الِاسْتِمْرَارُ وَالدَّوَامُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ الْعَامِّ وَالْمَقْصُودُ بِالشَّرَائِعِ إرْفَاقُ الْعِبَادِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الْإِيمَانُ الْحُكْمِيُّ مَعَ عُزُوبِ الْإِيمَانِ الْحَقِيقِيِّ مَا لَمْ يَطْرَأْ ضِدٌّ يُنَاقِضُ الْمَعَارِفَ وَالِاعْتِقَادَ، وَالْعِرْفَانُ أَفْضَلُ مِنْ الِاعْتِقَادِ، وَحُكْمُ الْعِرْفَانِ أَفْضَلُ مِنْ حُكْمِ الِاعْتِقَادِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْأَحْوَالُ النَّاشِئَةُ عَنْ مَعْرِفَةِ الصِّفَاتِ.
اعْلَمْ أَنَّ الْخَوْفَ نَاشِئٌ عَنْ مَعْرِفَةِ شِدَّةِ النِّقْمَةِ، وَالرَّجَاءَ نَاشِئٌ عَنْ مَعْرِفَةِ سِعَةِ الرَّحْمَةِ، وَالتَّوَكُّلَ نَاشِئٌ عَنْ مَعْرِفَةِ تَفَرُّدِ الرَّبِّ بِالضُّرِّ وَالنَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ.
وَالْمَحَبَّةُ تَنْشَأُ تَارَةً عَنْ مَعْرِفَةِ الْإِحْسَانِ وَالْإِنْعَامِ، وَتَارَةً عَنْ مَعْرِفَةِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ، وَالْمَهَابَةُ نَاشِئَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ كَمَالِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ حَاثَّةٌ عَلَى الطَّاعَةِ الَّتِي تُنَاسِبُهَا، فَالْخَوْفُ حَاثٌّ عَلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ، وَالرَّجَاءُ حَاثٌّ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ

1 / 206