قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Izz al-Din ibn Abd al-Salam d. 660 AH
17

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

ناشر

مكتبة الكليات الأزهرية

پبلشر کا مقام

القاهرة

وَلَكِنَّهَا أَخْفَتْ مَحَاسِنَ وَجْهِهَا ... فَضَلُّوا جَمِيعًا عَنْ حُضُورِ مَقَامِي وَمَا أَشَدَّ طَمَعَ النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ مَا لَمْ يَضَعْ اللَّهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ سَبَبًا، كُلَّمَا نَظَرُوا فِيهِ وَحَرَصُوا عَلَيْهِ ازْدَادُوا حِيرَةً وَغَفْلَةً، فَالْحَزْمُ الْإِضْرَابُ عَنْهُ كَمَا فَعَلَ السَّلَفُ الصَّالِحُ، وَالْبَصَائِرُ كَالْأَبْصَارِ فَمَنْ حَرَصَ أَنْ يَرَى بِبَصَرِهِ مَا وَارَتْهُ الْجِبَالُ لَمْ يَنْفَعْهُ إطَالَةُ تَحْدِيقِهِ إلَى ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ السَّاتِرِ. وَكَذَلِكَ تَحْدِيقُ الْبَصَائِرِ إلَى مَا غَيَّبَهُ اللَّهُ عَنْهَا وَسَتَرَهُ بِالْأَوْهَامِ وَالظُّنُونِ وَالِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ كَمْ مِنْ اعْتِقَادٍ جَزَمَ الْمَرْءُ بِهِ وَبَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مُخَالِفِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ وَقُبْحُهُ بَعْدَ الْجَزْمِ بِصَوَابِهِ وَحُسْنِهِ. وَمِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَخْتَارَ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَأَفْضَلِهَا بِحَيْثُ لَا يَضَعُ بِذَلِكَ مَا هُوَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ مِنْهُ، وَالسَّعَادَةُ كُلُّهَا فِي اتِّبَاعِ الشَّرِيعَةِ فِي كُلِّ وِرْدٍ وَصَدْرٍ، وَنَبْذِ الْهَوَى فِيمَا يُخَالِفُهَا؛ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾ [طه: ١٢٣]، أَيْ فَلَا يَضِلُّ فِي الدُّنْيَا عَنْ الصَّوَابِ وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ بِالْعَذَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ٣]، الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧١] مَا مِنْ طَاعَةٍ يَأْتِي بِهَا الطَّالِبُ عَلَى وَجْهِهَا إلَّا أَحْدَثَتْ فِي قَلْبِهِ نُورًا، وَكُلَّمَا كَثُرَتْ الطَّاعَاتُ تَرَاكَمَتْ الْأَنْوَارُ حَتَّى يَصِيرَ الْمُطِيعُ إلَى دَرَجَاتِ الْعَارِفِينَ الْأَبْرَارِ ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: ٦٩] وَهَذَا مِمَّا يَعْرِفُهُ الْمُطِيعُونَ الْمُخْلِصُونَ. فَإِذَا خَلَتْ الْأَعْمَالُ

1 / 19