قواعد الأحكام في مصالح الأنام
قواعد الأحكام في مصالح الأنام
ناشر
مكتبة الكليات الأزهرية
پبلشر کا مقام
القاهرة
طَلْقٍ»، وَقَوْلُهُ: «لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ»، وَأَتَمُّ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧]، وَهَذَا حَثٌّ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْئِهَا، دَقِّهَا وَجَلِّهَا، قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا. وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِفْسَادِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾ [الأعراف: ٥٦]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥]، وَقَوْلُهُ: ﴿زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ [النحل: ٨٨]، وقَوْله تَعَالَى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا﴾ [القصص: ٨٣]، وقَوْله تَعَالَى ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] وَأَعَمُّ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٨] . وَهَذَا زَجْرٌ عَنْ الْمَفَاسِدِ كُلِّهَا، قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، لِأَنَّ أَسْبَابَهَا مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُورِ. وَقَدْ نَصَّ ﵇ عَلَى النَّهْيِ عَنْ غَصْبِ قَضِيبٍ مِنْ أَرَاك، وَقَالَ، «إيَّاكُمْ وَمِحْرَابَ الذُّنُوبِ» . وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَشْتَمِلَانِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَصَالِحِ كُلِّهَا دَقِّهَا وَجُلِّهَا، وَعَلَى النَّهْيِ عَنْ الْمَفَاسِدِ كُلِّهَا، دَقِّهَا وَجَلِّهَا. فَمِنْهُ يَدُلُّ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، إذْ لَا يَعِدُ الثَّوَابَ إلَّا عَلَى فِعْلِ مَأْمُورٍ، وَلَا يُوعِدُ بِالْعِقَابِ إلَّا عَلَى مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مُخَالَفَةِ الرَّبِّ إلَّا ذُلُّ الْمَعْصِيَةِ فِي الدُّنْيَا، وَخَجِلَةُ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْعُقْبَى، مَعَ الْعَفْوِ بَعْدَ ذَلِكَ زَاجِرًا كَافِيًا، فَكَيْفَ بِمَنْ يُعَاقَبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْعَذَابِ وَحِرْمَانِ الثَّوَابِ؟
وَلِحُقُوقِ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى بَعْضٍ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا التَّسْلِيمُ عِنْدَ الْقُدُومِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَعِيَادَةُ الْمَرْضَى، وَمِنْهَا الْإِعَانَةُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَعَلَى كُلِّ مُبَاحٍ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ حُقُوقِ الْمُعَامَلَاتِ، وَمِنْهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ سَعْيٌ فِي جَلْبِ مَصَالِحِ
1 / 157