113

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

ناشر

مكتبة الكليات الأزهرية

پبلشر کا مقام

القاهرة

الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: هَتْكُ الْأَعْرَاضِ مَفْسَدَةٌ كَبِيرَةٌ، لَكِنَّهُ يَجُوزُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزَّانِي بِالزِّنَا لِإِقَامَةِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْقَاتِلِ بِالْقَتْلِ لِإِقَامَةِ الْقِصَاصِ، وَعَلَى الْقَاذِفِ بِالْقَذْفِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ لِلْمَقْذُوفِ، وَعَلَى الْغَاصِبِ بِالْغَصْبِ لِتَغْرِيمِ الْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ.
وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى السُّرَّاقِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِمَا صَنَعُوهُ مِنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ، لِإِقَامَةِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ؛ فَهَذَا كُلُّهُ صِدْقٌ مُضِرٌّ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ هَاتِكٌ لِسِتْرِهِ، لَكِنَّهُ جَازَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَصَالِحِ إقَامَةِ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ.
وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالْكُفْرِ وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْغَرَامَاتِ الْمَالِيَّةِ، كُلُّ ذَلِكَ صِدْقٌ مُضِرٌّ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ نَافِعٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بِمَا يَضُرُّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَيَنْفَعُ الْمَحْكُومَ لَهُ.
وَكَذَلِكَ إقَامَةُ الْحُكَّامِ عَلَى إقَامَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَكَذَلِكَ تَوْلِيَةُ الْوُلَاةِ الَّذِينَ يَضُرُّونَ قَوْمًا وَيَنْفَعُونَ آخَرِينَ. وَقَدْ قَالَ ﷺ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُؤَخِّرَك حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ وَيَضُرَّ بِك آخَرِينَ» .
الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: كَشْفُ الْعَوْرَاتِ وَالنَّظَرُ إلَيْهَا مَفْسَدَتَانِ مُحَرَّمَتَانِ عَلَى النَّاظِرِ وَالْمَنْظُورِ إلَيْهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ الْأَسْتَارِ، وَيَجُوزَانِ لِمَا يَتَضَمَّنَانِهِ مِنْ مَصْلَحَةِ الْخِتَانِ أَوْ الْمُدَاوَاةِ أَوْ الشَّهَادَاتِ عَلَى الْعُيُوبِ أَوْ النَّظَرِ إلَى فَرْجِ الزَّانِيَيْنِ، لِإِقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ، إنْ كَانَ النَّاظِرُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ بِالزِّنَا وَكَمُلَ الْعَدَدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مَفْسَدَةٌ لَا يُبْنَى عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ.
الْمِثَالُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: الرَّمْيُ بِالزِّنَا مَفْسَدَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ، الْإِيلَامِ بِتَحَمُّلِ الْعَارِ، لَكِنَّهُ يُبَاحُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَيَجِبُ فِي بَعْضِهَا، لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ الْمَصَالِحِ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ.

1 / 115