وهمْ وردوا الجفارَ على تميمٍ ... وهمْ أصحاب يومِ عكاظَ، إنيِّ
شهدتُ لهم مواطنَ صالحاتٍ ... أتينَهُمُ بودِّ الصدرِ مِني
وفي الشعر الرّمل، وهو عند العرب عيبٌ. وهو ممّا تسمّي العرب. وهو كلّ شعر مهزول، ليس بمؤلّف البناء. ولا يحدّون في ذلك شيئًا. وهو نحو قول عبيد:
أقفرَ من أهلهِ ملحوبُ ... فالقطّبيّاتُ فالذَّنوبَ
ونحو قول ابن الزِّبعري:
ألا لله قومٌ و... لدتْ أختُ بني سهمِ
هشامٌ وأبو عبد ... منافٍ مدرهُ الخضمِ
وعامة المجزوء يجعلونه رملًا.
وفيه التّحريد. ولا يحدّون فيه شيئًا، إلاَّ أنهم يريدون به غير المستقيم، مثل الحرد في الرجلين.
سمعت كثيرًا من العرب يقول: جميع الشعر قصيد ورمل ورجزٌ. أما القصيد فالطويل، والبسيط التام، والكامل التام، والمديد التامّ، والوافر التامّ، والرجز التامّ. وهو ما تغنّى به الركبان، ولم نسمعهم يتغنّون إلا بهذه الأبنية. وقد زعم بعضهم أنّهم يتغنّون بالخفيف. والرّمل كلّ ما كان غير هذا من الشعر وغيره الرجز، فهو رملٌ. والرّجز عند العرب كلّ ما كان على ثلاثة أجزاء، وهو الذي يترنمون به في عملهم وسوقهم، ويحدون به. وقد روى بعض من أثق به نحو هذا البيت عن الخليل: هذا من باب ما يكون رويا من الياس والواو والألف اعلم أن الياء والواو والألف إذا كنّ من الأصل، وكانت الياءُ والواو ساكنتين أو متحركتين، جعلنَ رويًا. وكذلك الزوائد إذا بنين مع الكلمة. أمّا اللواتي من الأصل فياء يرمي ويقضي، وواو يغزو ويدعو. وألف قضى ورمى. والزوائد اللاتي بنين مع الكلمة نحو ألف بشرى ومعزى، وواو قمحدو وقلنسو إذا أردت قمحدوة وقلنسوة، وياء رباعي وقراسيّ. فكلّ هؤلاء يجعلن حروفًا للرويّ.
وإن شئت لم يجعلن رويًا، وشبّهتهنّ بالياء والواو والألف اللاتي هنَّ مدّاتٌ. قال الشاعر: ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري ثم قال:
السّترُ دونَ الفاحشاتٍ وما ... يلقاكَ دونَ الخيرِ من ستر
فجعل الراء رويًا، والياء، وهي من الأصل، وصلًا وقال:
فهنّ يعكفن به إذا حجا
عكف النبيطِ يلعبون الفنزَجا
فجعل ألفَ حجا، وهي من الأصل، وصلًا، وجعل الجيم رويًا. وكذلك واو يغزو لو جاءت في قافية جعلتها وصلًا. وما جاء من الألفات، اللاتي هنّ من الأصل، رويًا أكثر من الواو والياء. قال الشاعر:
ذكرتُ والأهواءُ تدعو للهوَى
والعيسُ بالرّكبِ يجاذبنَ البرَى
فجعل الألف رويًا. وهذا كثير.
والممال من ذلك وغير الممال سواءٌ. لو قال قفا مع حبلى، أو قفا مع فتى، كان ذلك جائزًا، لأنه وإن أمالها فهي الألف ألا ترى أنَّ عالم يجوز مع قادم، وليس أحدٌ يميل قادمًا. فلو كان إذا أمال صارت ياء لصارت ألف عالم ياء، ولم تكن تأسيسًا. ولكنّ الإمالة كهمز بعض العرب ألفات الوقف اللاتي يكنّ في موضع التنوين. وذلك أن بعض العرب يقول في الوقف: رأيت رجلا. كأنه يهمز الألف. فإذا وصل أذهبها. فلو كان إذا أمال لم يجزها مع غير الممال للزمه إذا قال: رأيت عمرأ، فهمز، أن يجعله في الشعر المقيّد، ويجعل الهمزة رويًا لأنّها، ليست تلك الألف التي هي بدل من التنوين. وأحسنه أن لا يميل، فيقول: رأيت حبلى مع قفا. ولو شاء أمال حبلى مع قفا، فإنّ ذلك كثير مّما تقوله العرب.
قال الشاعر فيما جعل من الزائد، الذي يبنى مع الكلمة رويًا:
ألم تكنَ حلفتَ بالله العلِي
أنَّ مطاياكَ لمنْ خيرِ المطِي
فجعل الياء رويا، وهي الياء التي في موضع ياء فعيل، وألقى المتحركة لمّا احتاجَ إلى إلقائها. وقد قال قومٌ: إنه ألقَى الزائدة. وليس ذلك بحسنٍ، لأنَّه مستخفٌّ للأوّلِ، فإنّما يرتدغ عند الثاني. فلما جاء لفظٌ لا يكونُ مع الأولِ تركته كما تقف على الثقيل بالخفّة لذلك.
وإنما طرحَ الزوائد في التصغير وأشباهه لأنّه يريد بناء غير البناء الذي هو فيه. فإن أراده في ذا قال مغزو وعدو، إذا أراد البناء لأنّه إذا خفّف الأولى صارت الآخرة ياء. تقول إذا خفّفت: مغزو، كما خفّفت العلي، بقيت واوًا خفيفة وقبلها حركةٌ، فتقلبها ياءً كما فعلت في أدل ونحوه.
1 / 11