لَكَانَ وَصْمًا عَلَى الْأُمَّةِ تَرْكُ مِثْلِ ذَلِكَ وَالْأَخْذُ بِمَا لَيْسَ بِمِثْلِهِ لَا أَثَرًا وَلَا رَأْيًا.
وَلَقَدْ كَانَ أحمد ﵀ يَعْجَبُ مِمَّنْ يَدَعُ حَدِيثَ " الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ " مَعَ صِحَّتِهِ الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهُ، وَيَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ مَعَ تَعَارُضِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ وَأَنَّ أَسَانِيدَهَا لَيْسَتْ كَأَحَادِيثِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، وَلِذَلِكَ أَعْرَضَ عَنْهَا الشَّيْخَانِ: الْبُخَارِيُّ ومسلم، وَإِنْ كَانَ أحمد عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُ يُرَجِّحُ أَحَادِيثَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، لَكِنَّ غَرَضَهُ: أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ أَقْوَى فِي الْحُجَّةِ مِنَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْقِيَاسِ مِنْهُ، فَإِنَّ تَأْثِيرَ الْمُخَالَطَةِ أَعْظَمُ مِنْ تَأْثِيرِ الْمُلَامَسَةِ، وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ نَجِسٍ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ، وَلَيْسَ كُلُّ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ نَجِسًا.
وَكَانَ أحمد يَعْجَبُ أَيْضًا مِمَّنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ وَيَتَوَضَّأُ مِنَ الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ، مَعَ أَنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ الْقِيَاسِ وَالْأَثَرِ، وَالْأَثَرُ فِيهِ مُرْسَلٌ قَدْ ضَعَّفَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُهُ.
وَالَّذِينَ خَالَفُوا أَحَادِيثَ الْقَطْعِ لِلصَّلَاةِ لَمْ يُعَارِضُوهَا إِلَّا بِتَضْعِيفِ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ تَضْعِيفُ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرَ أَصْحَابُهُ، أَوْ بِأَنْ عَارَضُوهَا بِرِوَايَاتٍ ضَعِيفَةٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ»، أَوْ بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ.
1 / 33