وهنالك وساوس كثيرة على هذا ، على قدر ما ابتلي أحدهم من نفسه. ومعظم أمرهم أنهم لا يتهمون نفوسهم، بل يزكونها، والصادق الصديق الذي يسلك طريق المقربين، يتهم أعماله وأقواله، وأخلاقه، وآراءه، وظنونه، يحب من يدله على عيبه، ليبرأ منه ، فيصفو سيره إلى ربه، لأن غاية مطلوبه خلاصه من رق صفات نفسه، ووصوله إلى ربه.
وأما الصوفية فإن اجتماعهم وتآلفهم على خلاف ذلك، يصطحبون على تذويب النفوس لطهارة القلوب، ويتآلفون على السير إلى المحبوب، بهمم عالية، وقلوب وجفة، وأكباد محترقة، وأرواح طائرة من شدة الاشتياق إلى مولاهم، وعلى حبه عاكفة، وفي طلب قربه هاتمة، يتهمون نفوسهم، ويزدرون أعمالهم، قال الله تعالى (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة)، قد بذلوا لمولاهم كل ما يقدرون عليه من نفوسهم وأموالهم، حبا له، وشوقا إلى لقائه، لكن على قوانين الشريعة، ومتابعة السنة، فإنها حاكمة عليهم في كل شيء.
يطلبون مولاهم بكل ما يقدرون عليه، من الأذكار، والأوراد، والأخلاق، والأحوال على طريق السير إليه، ينطقون إذا تسامروا بذكره، وإن سكتوا فهو همهم، أو عبدوا فهو معبودهم، أو نطقوا فهو حديثهم، قلوبهم منكسرة، لأنهم فقدوا، فلا يجبر قلوبهم إلا بموجودهم، غاية همهم الوجود، ومعرفة عيب النفس، قد ذوبت الأفكار نفوسهم، وكحلت الأنوار أسرارهم، وصفت العبادة جوارحهم.
فهؤلاء أهل الله وأهل وده، وأحباؤه، قد أنزلوا ذكره من نفوسهم
صفحہ 79