واعلم أن الناس يقولون : الفقراء الفقراء، وما يدرون ما حقيقته، ولا ما بدايته، ولا ما نهايته، ولا يعرف الفقر إلا أهله.
وأنا ذاكر لك من بدايات الفقر نكتة واحدة، فإذا عرفتها عرفت عزة الفقر، وعرفت نهاية الققر.
من دخل في ميدان الفقر ، ولا يقدر أن يدخله إلا بعد الفراغ من القيام بالأمر، واجتناب النهي الظاهر، فأول حالهم بعد ذلك أن يحفظوا خواطرهم مع الله عز وجل كما يحفظ المتقي لسانه وسمعه وعينه، فما ظنك برجل تمر في قلبه خطرة لا ترضي مولاه إلا تاب منها.
ومنهم من استقام قلبه، وصلحت خواطره، فلا يخطر له - غالبا - إلا خاطر حق، وهم الأولياء يستحون من الله عز وجل أن يخطر بقلوبهم محرم أو معارضة، لأنهم موقنون بنظره وعلمه، فإذا كنا ما وصلنا إلى هذا - ونحن من البدايات - كيف لا نستحي من دعوى الفقر.
وأذكر لك نكتة أخرى من نكت الفقراء في بداياتهم - أول بداياتهم - بعد إقامة الأمر واجتناب النهي، وحفظ الخواطر، تبدو على قلوبهم إرادة الحق عز وجل وطلبه، فتشتعل نار الإرادة في قلوبهم طلبا للحق عز وجل فتخلو قلوبهم من مطالب الدنيا ومآربها، وتبقى فارغة من سوى مطلوبها، فإذا كنا ما وصلنا إلى هنا، وهو من البدايات ، كيف تصح لنا دعوى الفقر? وما شممنا لبداياته رائحة.
صفحہ 37