قطرتان: من النثر والنظم
قطرتان: من النثر والنظم
اصناف
قانون الطبيعة
قانون الطبيعة قانون نافذ لا يهاب سطوة الأمير ولا يترك الضعيف لضعفه، وهو عبارة عن عدة نتائج لأسباب كثيرة تقع تحت حسنا، وكلما تشابهت تلك النتائج كانت أسبابها متماثلة، وليس ذلك بمدون في كتب خاصة به وإن كانت الكتب السماوية قد جمعت مواده، وشرح شيئا منها الفلاسفة والحكماء بقدر استطاعتهم، وإنما يرجع المستفسر عنه إلى صدور كثرت خبرة أصحابها بالحوادث التي تمر بهم، ففيها يجد الإنسان الحقائق الكثيرة ومنها يعرف تلك الأسرار الخفية الغامضة على الجاهلين.
هؤلاء الشيوخ الذين يوافون هذا العالم دائما بنصائحهم الذهبية التي لا يلتفت إليها إلا القوم العاقلون يبسطون للملأ قضية لا نزاع فيها، ويقولون إن هذه القضية ولو أنها بسيطة يسهل على ذوي العقول الصغيرة فهمها، إلا أنها من أهم الأمور وأكبر القضايا التي يترتب عليها نهوض البشر وثبات الأشياء لأمد طويل ويقولون كذلك إنها مع صدق ما تتضمنه وإقرار النفوس به فكثيرا ما تهمل ولا يحفل بها!
تلك النظرية القوية البرهان لا تتعدى معنى الجملة الآتية: «تأكد أن الأساس ثابت قبل أن تهم بالبناء»، وإني إذا ذكرت للقارئ - وأنا أخص بالذكر غالبا هذا البلد - أن في كل مائة نفر من الناس تسعين أو أكثر ينبذونها فلا أكون مبالغا، وإلا فأي معنى لتلاشي الأعمال وتهدمها إذا كانت مشيدة على دعائم قوية، تضمن لها النجاح، وتحافظ على بقائها؟
مسرح الحياة
قال وليم شكسبير: إنما العالم مسرح والناس من رجال ونساء ليسوا سوى ممثلين يظهر كل عليه ويختفي، والمرء في حياته يمثل سبعة أدوار: فالدور الأول وهو زمن الطفولة إذ يكون رضيعا يصرخ ويقيء بين ذراعي مرضعه، والثاني حين يصبح تلميذا يحمل قمطره ووجهه يفيض بشرا وسناء في الصباح، يقفز كطير البجع ويتظلم من الذهاب إلى المدرسة، والثالث دور الحب وهو الزمن الذي يكون فيه عاشقا يتنهد تنهدات حارة تحكي «زفرات الأفران» وهو ينشد أغاني مطربة يخاطب بها لحاظ مالكة فؤاده، والدور الرابع وهو دور الشجاعة والإقدام حين يكون جنديا يغلظ في أيمانه ولحيته تشبه لحية النمر، يغار على الشرف ويقتحم الغارات بخفة باحثا عما يجديه فخارا ولو في فوهات المدافع، هذا الفخار الذي أراه كحبب الماء لا يدوم ولا يلبث، والخامس وهو الدور الذي يجلس فيه على سرير الأحكام ويقضي بين الناس وبطنه ممتلئ مستدير وبصره حاد ولحيته مقصوصة قصا مخصوصا، عقله راجح وفكره ملم بكثير من الحوادث، واع لما صدر فيها من الأحكام، والسادس يبدأ باكتسائه الأردية الرفيعة القماش الواسعة الحجم ووضعه المنظار أمام عينيه وتعليقه كيسا بجانبه، وقد غدت جواربه التي كان يلبسها وقت الصغر غير ملائمة لرجليه «لكبر حجمها» وصوته ضئيلا متلعثما يحاكي صوت الأطفال.
أما المنظر الأخير الذي ينتهي به هذا التاريخ المحزن الغريب فهو الطفولة الثانية «يعني الشيخوخة» والخبل المتناهي يتبعه فقد الأسنان والبصر والذوق بل وتضعضع جميع الجسد.
ماهية الشعر والأدب والفلسفة
إذا آمنا بأن العالم بأسره أنشودة حية متألقة من الأجرام المتحركة في نظامها الموسيقي البديع، فليس من الصعب علينا أن نؤمن بأن الشعر هو المعبر بلغتنا عن هذه الأنشودة العلوية والموسيقى السحرية، فمهمة الشعر هي الترجمة عن روح الوجود في أسلوب فني جذاب يشعرنا بعظمة هذا الوجود وجماله، وليس معنى ذلك أن يحصر الشاعر عنايته في الكليات ويترك الجزئيات، فكل ما في الكون مادة للشاعر ما دامت لديه الشاعرية المتفاعلة مع ما يراه، وإن لم أرد بهذا أن كل شاعر لديه هذا الاستعداد، ولكن يكفي الشاعر أن يكون متأثرا مخلصا في ما ينظمه، فالإخلاص من أهم عناصر الشعر بل الأدب عامة.
وكما أننا نستمتع غاية الاستمتاع بالصور الفنية الجميلة فضلا عن الجمال الحي ذاته وكما تطربنا الموسيقى الرائعة وتشجينا، وكما تشوقنا الآثار الفنية الدقيقة، يسحرنا الشعر العبقري؛ لأننا نهتدي بواسطته إلى أسرار الكائنات ومظاهر الحياة، كما نحاول أن نراها أو نرى بعض صورها في الآثار الفنية الصامتة كالصور، أو في الآثار الرمزية كالموسيقى، أو في تعابير الجمال المختلفة في الحرف والفنون من نتائج إحساسنا الواضح أو المبهم بجمال العالم ونظامه البديع.
نامعلوم صفحہ