قال الموفق: «قد علمت، ولكن أمر الطولونية يا بني لم يحن بعد، وقد دبرت الأمر على ما دعوتك إليه، وما أحسبك تخالف عن أمري.»
وازدحمت في رأس أبي العباس خواطره، فصمت برهة ثم قال: «ولكن غلماني يا أبت قد تهيئوا لغير خراسان.»
وضاق صدر الموفق لعناد ولده فهم بأمر، ثم ذكر أنه يوم الفطر والناس جميعا غادون على مسراتهم فأمسك عما اعتزم وقال في لين ووداعة: «لست أعني أن تبدأ رحلتك اليوم يا بني، وإنما دعوتك لتتهيأ لها، فإذا كان بعد أيام فاغد علي، وقد اجتمع لك رأيك.»
ثم انصرف بوجهه عن أبي العباس؛ ليعبث بما بين يديه من رسائل أصحاب البريد ... وبقي أبو العباس صامتا برهة، ثم تسلل إلى الباب، وعين أبيه تتبعه من حيث لا يريد أن يشعره.
ومضت أيام ثم دعاه أبوه إليه، فلما مثل بين يديه قربه وأدناه وأقبل عليه بوجهه وهو يقول: «أراك اليوم وقد اجتمع لك رأيك، وستكون وجيشك غدا على طريق خراسان.»
قال أبو العباس: «لا يا مولاي، سأكون في جيشي قبل مشرق الصبح على الطريق إلى الشام.»
قال الموفق غاضبا: «وي: أعصيانا ومشاقة!
68
فوالله لا يكون إلا ما أمرتك.»
قال أبو العباس: «إنما صلاح الدولة أردت، وقد ولاني عمي أمير المؤمنين المعتمد الشام، فلست أخرج إلا إليها، طاعة لأمير المؤمنين، وصلاحا لأمر الدولة التي أوشك أن يتوزعها أبناء الأعاجم.»
نامعلوم صفحہ