ونظر إسحاق حوله، فإذا جيشه أباديد قد تبعثر كل مبعثر، ففر بمن بقي له من الجند إلى حصن قد اتخذه هنالك يحتمي به.
ورأى الهول الهائل من جيش خمارويه يزحف إليه من أمام، وذكر الكمين الذي يتربص به من جيش ابن أبي الساج من وراء، فلم ير لنفسه مذهبا إلا أن يرسل إلى خمارويه مستأمنا يسأله الصفح ويعاهده على الولاء.
وأمنه خمارويه وولاه الجزيرة وما والاها.
واجتمع في قبضة خمارويه القائدان اللذان انعقد بهما أمل الموفق في القضاء على دولة بني طولون: إسحاق بن كنداج، ومحمد بن أبي الساج، فإذا هما قد تجاورا صديقين على إمارتين من بلاد الخليفة: الجزيرة والموصل، يليان أمرهما
42
باسم ملك مصر والشام والثغور: خمارويه بن أحمد بن طولون.
وضحك القدر ساخرا ضحكة رن صداها في الدولة بين أقطارها الأربعة، وبلغ النبأ بغداد حيث كان الموفق وولده أبو العباس في انتظار أخبار المعركة، وحيث كان الخليفة المعتمد بين الندمان والقيان لا يكاد يفيق من نشوته.
وأوى أبو العباس إلى قصره مكروبا قد جثم الهم على صدره ثقيلا لا يكاد يجد معه روح النسيم أو نور الضحا، ودخل معلمه ورائده أبو بكر القرشي بن أبي الدنيا
43
فنهض الأمير لاستقباله متثاقلا، ثم جلس وجلس الشيخ صامتين لا تنفرج منها شفة عن صوت ...
نامعلوم صفحہ