كتاب القتل والقتال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيئين، وعلى أهل بيته الطيبين وسلم.
سئل القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه، عما يجب به القتل والقتال، ويحل به عند الله السباء والأموال ؟.
فقال: يحل الدم والمال والسباء، ويوجب البرآءة والعداوة والبغضاء، ويحرم أكل الذبائح، وعقد التناكح، الكفر الذي جعله اسما واقعا على كل مشآقة أوكبير عصيان، ومخرجا لأهله مما حكم الله به للمؤمنين من اسم الايمان، بخلال كثيرة متفقة في الحكم، متفرقة بما فرق الله به بينها في مخرج الاسم، لها جامع وتفسير، فتفسيرها كثير، وجماعها كلها، وتفسير جميع جملها، فتشبيه الله عز وجل بشيء من صنعه كله، أو تجويره لا شريك له في شيء من قوله أو فعله.
صفحہ 167
وتفسير هذا الجامع أن يجعل مع الله سبحانه إلها أو آلهة، أو والدا أو ولدا أوصاحبة، أوينسب إليه جورا بعينه أومظلمة، أويزيل عنه من الحكم كلها حكمة، أو يضيف إليه في شيء من الأشياء كلها جهالة، أو يكذب له صراحا في وعد أو وعيد قالة، أو يضيف إليه سنة أو نوما، أو وصفا ما كان من أوصاف العجز مذموما، أو ينكره سبحانه وبحمده أو ينكر، شيئا مما وصفناه به من توحيده منكر، أو يرتاب فيه تبارك وتعالى أو يتحير، في شيء مما وصفناه به مرتاب أو متحير، أو يذم له فعلا أوقيلا، أويكذب له تنزيلا، أو يجحد له نبيا مرسلا، أو ينسب إلى غيره من أفعاله فعلا، كنحو ما ينسب - من فعله في الآيات، وما جعل مع الرسل من الأدلة والبينات - إلى السحر والكهانة، والكذب والبطالة، فأي هذه الخلال المفسرة المعدودة، والأمور التي ذكرنا المبينة المحدودة، صار إليه بالكفر صائر، ثم أقام على كفره فيه كافر، وجب قتله وقتاله، وحل سباؤه وماله، ولم تحل منا كحته، ولم تؤكل ذبيحته، وحرمت ولايته على المؤمنين، وكان حكمه حكم المشركين، لأنه معتقد بتشبيهه من الشرك بالله لما اعتقدوا، ومعتمد بتمثيله إياه عز وجل بغيره في أي الأقوال التي حددنا لما اعتمدوا، لأن الشرك نفسه إنما هو تثبيت إلهين أوأكثر، والقول بأن مع الله إلها آخر.
صفحہ 168
وأي الأقوال التي وصفنا قاله قائل، أو جهله وإن لم يقل به جاهل، فهو فيه مثبت مع الله لغيره، قال بإنكاره فيه أو تجويره، ألا ترى أنه إن أنكره فقد مثله بمنكر الأمور، أو جوره فقد أشرك بينه وبين أهل الجور، أو جهله عز وجل فقد مثله بمجهول، أو تحير فيه فقد شبهه بمتحير فيه غير معقول، أو زعم أن له صاحبة أو ولدا، فقد أثبت بالاضطرار أنه لم يكن واحدا ولا فردا، وإذا لم يثبت له وحدانية الأولية، فقد ثبت معه اضطرارا غيره في الأزلية، وذلك فهو معنى الشرك غير شك، ولذلك سمى الله هذه الفرق كلها باسم الشرك، وحكم عليها بحكمه ليعلم أولوا الألباب والنهى، أن باشتباههم كان حكم الله فيهم مشتبها.
فاسمع لما قال فيما أوجب من قتلهم وقتالهم، وحكم به سبحانه من سبآئهم وتغنم أموالهم، وأوجب على المؤمنين فيهم من البرآة، ونهاهم عنه لهم من الموالاة، وحرم عليهم من مناكحهم، ونهاهم عنه من أكل ذبائحهم، فإني سأجمع ذلك لك إن شاء الله كله، وأبين لكم ما ذكر الله في ذلك أجمع وأفصله، بآيات مسمعات، وأحكام متتابعات، كراهية للتكثير عليك في القول، واكتفآء لك بتفصيلهن من الإكثار في كل علم مجهول.
صفحہ 169
قال الله عز وجل:{برآءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين، وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم، إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين، فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم } [التوبة:1 - 5].
وقال سبحانه :{إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كآفة كما يقاتلونكم كآفة واعلموا أن الله مع المتقين} [التوبة:36]. يريد بقوله تبارك وتعالى:{كآفة} عآمة كما يقاتلونكم عامة، لا يختصون منكم خآصة.
وقال سبحانه :{فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} [محمد:4].
وقال سبحانه بعد الدماء، فيما أحل من الغنيمة والسباء:{ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب} [الحشر:7]. ولا يكون فيئا، إلا ما كان غنيمة أوسباء، لقول الله عز وجل:{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك } [الأحزاب:50]. فجعل ما أفاء الله عليه منهن ملك يمينه، وأحلهن الله له بالسباء في حكم دينه.
صفحہ 170
وقال سبحانه:{واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير} [الأنفال:41].
وقال فيما أوجب من البرآءة على المؤمنين فيهم، ونهاهم عنه من توليهم:{لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير} [آل عمران: 28]. فنهاهم عز وجل عن ولايتهم سرا وعلانية، وحرم عليهم ولايتهم لهم خفية كانت أو بادية، بقوله في هذه الآية الثانية :{إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير} [آل عمران:29].
وقال سبحانه:{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [المائدة:51]. فجعلهم بموالاتهم لهم منهم، وأزال اسم الايمان بموالاتهم لهم عنهم.
صفحہ 171
ثم أخبر سبحانه بحال من سارع فيهم، ودل بما في قلوبهم من المرض عليهم، فقال :{فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دآئرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} [المائدة:56]. فأبان سبحانه أن ولايتهم كانت لهم ليست إلا لخوف الدوائر، وأن ذلك لم يكن منهم لهم إلا لما في نفوسهم من مرض الضمائر. فمتى ما وجد لهم أحد ممن يدعي الاسلام متوليا، لم يكن في الدين أبدا كما قال الله إلا مريضا قلبه دويا، ومتى ما كان قلب من يدعي الاسلام مريضا مدخولا، كان لما قطع الله من ولايتهم وصولا، وفي كون كل واحد منهما كون صاحبه، وكل سبب من الأمرين فموصول بأسبابه، فلا يوالي من أشرك بالله أبدا إلا من مرض في الدنيا قلبه بالشك، ولا يمرض قلب امرئ أبدا في دينه ويقينه إلا لم يبال من والى من أهل الكفر بالله والشرك.
وفي ذلك ما يقول الله سبحانه :{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حآد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أوأبناءهم أوإخوانهم أوعشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله إلا إن حزب الله هم المفلحون} [المجادلة:22].
وقال تبارك وتعالى فيما حرم من مناكحتهم :{يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولاهم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة:10].
صفحہ 172
وقال سبحانه:{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون} [البقرة:221]. فهذا في بيان ما حرم الله تبارك وتعالى من مناكحتهم.
وقال سبحانه فيما حرم من أكل ذبائحهم :{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام:121].
وقال سبحانه:{حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به} [المائدة:5]، والإهلال به لغير الله، ذكره وتسميته وانتحاره وذبحه لسوى الله.
وقال سبحانه :{وما ذبح على النصب} [المائدة:3]. وما ذبح عليها، فتأويله ما ذبح لها، والنصب فحجارة كانوا ينصبونها ويتخذونها مذابح ومناحر يذبحون عندها ولها ما يذبحون، وينحرون عندها من نحائرهم ما ينحرون، فحرم الله ما ذبح من الذبائح عندها، ونحر من النحائر لها.
قال: ويحل الدم بعد ذلك دون السباء، ولايحرم مناكحة النساء، لخلال أخر من الكفر والعدوان، يعرفها كل من وهبه الله يسيرا من الفهم فيما نزل من القرآن:
منها: ظلم الظالمين، وما بين سبحانه من عدوان المعتدين، فقال سبحانه :{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} [الحج:39]. فأذن سبحانه للمظلومين بقتال الظالمين لظلمهم إياهم، وأذن للمظلومين - بظلم الظالمين - لا بغيره في أن يسفكوا دماءهم.
صفحہ 173
وقال سبحانه:{ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} [الشورى:41]، ثم أخبر سبحانه على من جعل السبيل بالقتل والتقتيل، فقال سبحانه:{إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} [الشورى:42]. وقال سبحانه:{لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} [الأحزاب:60 - 62].
فصنف سبحانه من أحل قتله وتقتيله أصنافا ثلاثة مختلفة، لا يشتبه اختلافهم على من وهبه الله أدنى معرفة.
صفحہ 174
والمنافقون منهم الذين يقولون من التقوى ما لا يفعلون، والذين بسوء فعلهم يكذبون مايقولون، ويعدون الله فيما يعدونه، ثم يخلفون ما وعدوه ويكذبونه، كما قال سبحانه :{ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون، ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب، الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم} [التوبة:75 - 79]. وكما قال عز وجل :{الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون، الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرأوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} [آل عمران: 167 - 168]. وكما قال سبحانه :{ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون، أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون، اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ولهم عذاب مهين، لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون، استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} [المجادلة:14 - 19].
صفحہ 175
وما دل سبحانه من هذه الصفات كلها وغيرها على المنافقين، فموجود اليوم كثير في من يتسمى كذبا وظلما بأسماء المتقين، وهذا فهو معنى النفاق المعروف في لسان العرب وكلامها، وما يدور من معلوم اللسان فيه بين خوآصها وعوآمها، لا يجهله منها صغير طفل، ولا كبير كهل، ولو كان النفاق ليس إلا ما زعم بعض الناس من إسرار الشرك وإعلان التوحيد والإقرار، لما جاز أن يقال :{هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان}، وكيف يقول هم أقرب إليه ؟ وهم فيه وعليه ! هذا مالا يصلح توهمه في الكتاب لتناقضه واختلافه ! وميله عن الحكمة وانصرافه ! وكيف يصح أن لا يكون النفاق إلا إسرار الشرك بالله ؟! والله يقول سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله :{يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} [التوبة: 73، والتحريم:9]. فكيف يأمره بجهادهم على ما طووه من شركهم سرا ؟! وهو لا يحيط صلى الله عليه بكثير من علانيتهم خبرا. فكيف يأمره بجهادهم على سر القلوب ؟! الذي لا يعلمه إلا علام الغيوب!! وكل من قال بأن النفاق إسرار الشرك بالله، غير موجب على نفسه لجهاد المسرين لشركهم بالله، دون أن يعلنوا من الشرك ما أسروا، ثم أن يمتنعوا من شركهم ويتبروا، وفي هذا عليهم حجة لعدوهم في الجهل بالنفاق قاطعة، بينة مضيئة فيما قلنا به من أن النفاق فعل علانية لهم مما قالوا إن أنصفوا مانعة.
صفحہ 176
والصنف الثاني منهم: الذين في قلوبهم مرض وهو شكوك الإرتياب، فهم الذين كانوا يتولون كفرة أهل الكتاب، كما قال سبحانه :{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دآئرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} [المائدة:51 - 52]. فجعلهم تبارك وتعالى بتوليهم لهم منهم، وأخبر - بالعلة التي بها من مرض قلوبهم تولوهم- عنهم، ولو كان معها غيرها لذكره، ولأبانه منهم علانية وشهره، وإذا كانوا عند الله منهم، لزمهم عنده تبارك وتعالى ما لزمهم، وكان حكم المؤمنين ومن تولاهم حكمهم عليهم، وسيرتهم في الجهاد سيرتهم فيهم.
والصنف الثالث منهم: أهل إرجاف وعبث، وأذى للمؤمنين والمؤمنات ورفث، كانت ترجف بمكذوب الأحاديث وترهج، ليس لها دين ولا ورع ولا تحرج، ألا ولما كان لها في الإرجاف من الشغل به عنها، ويعنيها به لما أسخط الله منها، كانت تكثر فيه، وتجتمع عليه.
وهذه الفرقة فبقيتها بعد بالمدينة كثيرة معروفة، وبكل ما وصفها الله به من الإرجاف والعبث والرفث فموصوفة، تشاهد به مشاهدها، وتعمر به مساجدها، والله المستعان.
وكل هذه الفرق الثلاث جميعا، فقد أمر الله نبيه عليه السلام بقتلهم إن لم ينتهوا معا.
صفحہ 177
وقال الله سبحانه فيما أمر به المؤمنين من قتال من قاتلهم وقتلهم لهم بحيث ثقفوهم، وإخراجهم إياهم من حيث أخرجوهم، {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين، فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم} [البقرة : 190 - 192]. فأوجب عليهم قتالهم وقتلهم، بما كان من قتال الظالمين لهم. ألا ترى كيف يقول سبحانه:{ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}. فجعل قتالهم وإن كانوا على شركهم عند المسجد الحرام محرما، ثم أحله لهم إن قاتلوهم عنده وحكم عليهم بقتالهم حكما حتما.
وقال سبحانه فيما أذن به من قتل المعتدين باعتدائهم، وبسط أيدي المؤمنين للعدوان من سفك دمائهم، {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين، وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة:194 - 195]. فأمرهم سبحانه للعدوان لا لغيره بقتالهم، ونهاهم عن أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة باستسلامهم لهم، وأمرهم بالإنفاق في جهادهم، سبحانه والإحسان، وأخبرهم أنهم إن لم يفعلوا فقد ألقوا بأيديهم إلى التهلكة لأهل العدوان. وصدق الله العزيز الحكيم الأعلى، الذي لا يرضى لأوليائه أن يكونوا أذلاء، والذي لم يزل سبحانه يحوط العز لهم حوط العليم الخبير، وينصرهم عند القيام بأمره نصر العزيز القدير، وأي تهلكة أهلك لهم ؟! من استسلامهم لمن يريد قتلهم !!
صفحہ 178
وفي ذلك أيضا ما أمر الله، به سبحانه من قتال البغاة، مجتمع عليه، غير مختلف فيه، في كل قراءة مدنية أو عراقية ، وغربية كانت القراءة أو شرقية، إذ يقول سبحانه:{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءوا فأصلحوا بينهما بالعدل، وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [الحجرات:9].
ثم قال سبحانه مدحا للمنتصرين من الباغين، وترغيبا في الانتصار في البغي للمؤمنين، {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } [الشورى:39]. فمن أظلم وأبغى، ممن تجبر وطغى، فخص المؤمنين بغيه وطغاه، وعمت الأرض فتنته وبلاه ؟! لا من إن عقل من يسمع نداء كتاب الله بتعريفه!! وقام لله بما له عليه في ذلك من تكليفه.
وفي ذلك أيضا ما حكم الله سبحانه به في القتل على الفتنة وكبائر المظلمة، وما أذن به تبارك وتعالى من محاربة أكلة الربا من هذه الأمة، فقال في الفتنة :{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير، وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير } [الأنفال:39 - 40]. والفتنة: فهي تعذيب أولياء الله بالضرب وغيره من أنواع العذاب والبلاء، وما كانت قريش تعذب به في جاهليتها من كان فيها من البررة والأتقياء.
وقال سبحانه فيما آذن به، أكلة الربا من حربه: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} [البقرة: 278 - 279]. عزما منه سبحانه على حربهم بأثبت الثبوت، وحكما لازما فيهم لكل مؤمن حتى يتوفاه الموت، لا عذر لأحد من الخلق في تبديله، ولا اختلاف في الحكم بين تنزيله وتأويله.
صفحہ 179
وقال سبحانه فيما أذن به من قتل المعتدين من عباده، والساعين بالفساد في أرضه وبلاده، والمحاربين له تبارك وتعالى ولرسوله من خلقه، ولا محاربة له سبحانه ولا لرسوله ولا فساد أعظم من تعطيل حقه، والإعراض عن نهيه وأمره، وإقامة المتجبر على تجبره: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} [المائدة:33].
وقال سبحانه:{من أجل ذلك كتبنا على بني إسرآئيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} [المائدة:32]. فأحل سبحانه من قتل الأنفس بفسادها واعتدائها، مثل الذي أحل من القتل بالقصاص بينها في دمائها.
وقال أيضا سبحانه وتعالى، فيما جعل من القصاص بين القتلى:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم...} [البقرة:178] الآية.
فهذه وجوه ما أحل الله به الدماء، وأوجب به على فعله البرآءة والبغضاء، وكل وجه - والحمد لله - من هذه الوجوه فغير صاحبه، لا ينكر وجها منها مرتاب وإن عظمت بليته في ارتيابه.
وقد قال غيرنا من مرتابي هذه العوآم الغوية، وأعوان المعتدين من ظلمة بني أمية: لا يحل قتل من قال لا إله إلا الله، وكابر ما بينا كله من ما حكم به الله.
صفحہ 180
واليهود تقول: لا إله إلا الله، وتؤمن ببعض كتاب الله، كما قال سبحانه:{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة:85]. فخزي الدنيا أن يقوي مسكنتهم وذلهم، وقتالهم إن امتنعوا من الذل وقتلهم، فحكم الله سبحانه بقتلهم، ودمرهم بفسادهم وكفرهم، والإعراض عن بعض حقه، وتكبرهم على المرسلين من خلقه، فقال سبحانه: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة:29]. ولقتلهم الآمرين بالقسط من الناس أوجب لهم تبارك وتعالى في أن من صد عن سبيل الله، وأفسد على أولياء الله دعوتهم إلى الله فهو من أعدى الأعداء لله، وأعظمهم عند الله عذابا وتنكيلا ، وأوجبهم في دين الله قتلا وتقتيلا.
قال الله سبحانه :{الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} [النحل:88]. فما ذكر سبحانه من صدوا فهو..... (لم يكن عليه السلام أتم الكتاب، وهذا حده الذي بلغ فيه إليه، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا).
صفحہ 181