حقا إنه سيئ النية، أليس الفسق من سوء النية؟ سوء نية من النوع الذي تحبينه، آه من النسوان! بعد ساعة ستطالبين به كحق من حقوقك، بعد ساعتين سأهرب وتجدين في أثري، على أي حال ليلتنا فل. - ربنا يعلم بحسن نيتي، نظرت إلى فوق لأني لا أستطيع أن أمنع النظر عن مكان تكونين فيه، ألم تدركي هذا؟ ألم تشعري به؟ جارك القديم يتكلم وإن تأخر به الزمن.
هازئة: تكلم، أطلق الحرية للسانك الطويل، ارفع صوتك، ماذا تفعل لو اقتحمت عليك السطح امرأة أبيك فرأتك ورأتني؟
لا تزوغي يا بنت اللبؤة، سيكون من المعجزات أن أطوي عقلك، أتخافين امرأة أبي حقا؟ آه ... إن ليلة في حضنها تساوي العمر كله. - سأسمع وقع الأقدام قبل مجيئها، خلينا فيما نحن فيه. - ما هذا الذي نحن فيه؟ - إنه يجل عن الوصف. - لا أجد شيئا مما تقول، لعل هذا ما أنت وحدك فيه. - لعله، إنه لأمر مؤسف حقا، أمر مؤسف أن يتكلم قلب فلا يجد من يستجيب له، إني أذكر أيام زياراتك لبيتنا، تلك الأيام التي كنا فيها وكأننا أسرة واحدة، وأتحسر.
غمغمت وهي تهز رأسها: تلك الأيام!
لم عدت إلى الماضي؟ أخطأت خطأ كبيرا، احذر أن يفسد عليك الألم جهدك كله، ركز إرادتك كي تنسى كل شيء إلا الحاضر. - ثم رأيتك أخيرا فرأيت شابة جميلة كالزهرة، تطلع في ظلام الليل فتنوره، فكأنما أراك لأول مرة. ساءلت نفسي: أتكون هذه جارتنا مريم التي كانت تلعب مع خديجة وعائشة؟ كلا ... هذه فتاة اكتمل لها الحسن ونضج، وشعرت بأن الدنيا تتغير من حولي.
قالت وقد عاود صوتها عبثه: في تلك الأيام لم تكن عيناك تستبيحان التطلع إلى أحد. كنت جارا بكل معنى الكلمة، ولكن ماذا بقي من تلك الأيام؟ تغير كل شيء، عدنا كالأغراب، وكأننا لم نتبادل كلمة، ولم ننشأ معا نشأة الأسرة الواحدة، هذا ما أراده أهلك. - دعينا من هذا، لا تحمليني هما إلى هم. - اليوم تتطلع بعينيك ... في النافذة، وفي الطريق، وها أنت تقطع علي السطح.
ماذا يمنعك من الذهاب إن كنت حقا تريدينه؟ كذبك ألذ من الشهد يا نور الظلام. - هذا قليل من كثير، إني أتطلع إليك أيضا من حيث لا تدرين، وأراك في الخيال أكثر مما تتصورين، أقول لنفسي الآن وأنا على بينة مما أقول: إما القرب وإما الموت.
هسيس ضحكة مكتومة اهتز لها قلبه، ثم تساءلت: من أين لك هذا الكلام؟
أشار إلى صدره، وهو يقول: من قلبي.
مسحت بقدمها على أرض السطح محدثة بالشبشب حفيفا ينذر بالتحرك ولكنها لم تزايل موضعها، وقالت: ما دام الأمر قد بلغ القلب، فينبغي أن أذهب.
نامعلوم صفحہ