تورد وجه أمينة حياء وسرورا، فرنت إلى كمال كأنما تستجديه إشارة إلى ذكر الليالي الخوالي؛ فابتسم إليها ابتسامة ذكور: «لتنشئ خديجة ابنيها على ما نشأ عليه أخوالهما، ليكن منهما من يتأثر كمال الذي يشق السبيل إلى المدرسة العليا، ليكن منهما من يتشبه ب...آه ما أضعف الصدور المتصدعة عن تحمل الخفقات الوالهة، لو امتد به العمر لكان اليوم قاضيا أو في الطريق إليها، كم حدثك عن آماله أو آمالك! أين مضى كل ذلك؟ ليته عاش ولو فردا من غمار الناس!»
قال إبراهيم شوكت، مخاطبا كمال: لسنا كما تتهمنا أختك، لقد دخلت امتحان الابتدائية سنة 1895 ودخله خليل سنة 1911، كانت الابتدائية على أيامنا شيئا عظيما على خلاف الحاصل الآن حيث لا يكاد يقنع بها أحد، لم نواصل التعليم، لأنه لم يكن في نيتنا أن نتوظف، أو بمعنى آخر لم نكن في حاجه إلى الوظيفة.
أعجب كمال إعجابا ساخرا بقوله: «دخلت امتحان الابتدائية»، ولكنه قال مجاملا: هذا أمر طبيعي.
كيف يكون للعلم قيمة ذاتية عند ثورين سعيدين؟ كلاكما تجربة ثمينة علمتني أنه من الجائز أن أحب - أي حب كان - من أحتقر ... أو أن أتمنى الخير كل الخير كل الخير لشخص تثير مبادئه في الحياة نفوري وتقززي، لا أملك إلا أن أكره الحيوانية من صميم قلبي، صار ذلك حقيقة وحقا مذ هفت على القلب نسمة السماء.
هتف ياسين في حماس هزلي: لتحي الابتدائية القديمة! - نحن حزب الأغلبية على أي حال.
تضايق ياسين من إقحام خليل نفسه - وأخاه ضمنا - على حزب الابتدائية التي لم ينلاها، ولكنه لم يجد بدا من التسليم، على حين راحت خديجة تقول: سيواصل عبد المنعم وأحمد التعليم حتى ينالا الدبلوم العالي، سيكونان عهدا جديدا في آل شوكت، اسمعوا وقع هذين الاسمين جيدا: عبد المنعم إبراهيم شوكت، أحمد إبراهيم شوكت ... ألا يرن الاسم رنين «سعد زغلول»؟
فصاح إبراهيم ضاحكا: من أين لك هذا الطموح كله؟ - لم لا؟ ... ألم يكن سعد باشا مجاورا بالأزهر؟ من الجراية إلى رياسة الوزراء، وكلمة منه تقيم الدنيا وتقعدها، ليس شيء على الله بكثير.
تساءل ياسين متهكما: هلا قنعت بأن يكونا مثل عدلي أو ثروت؟
فصاحت كالمستعيذة بالله: الخونة؟ لن يكونا من الذين يهتف الناس بسقوطهم ليل نهار.
أخرج إبراهيم من جيب بنطلونه منديلا، ومسح به وجهه الذي زادت حمرته عمقا بحرارة الجو، ونضح عرقا بما يشرب من ماء مثلوج وقهوة ساخنة، ثم قال وهو آخذ في تجفيفه: لو أن لشدة الأمهات فضلا في خلق العظماء، فأبشري من الآن بما ينتظر ابنيك من مجد كبير. - تريدني على أن أتركهما وشأنهما؟
نامعلوم صفحہ