فضحكوا مرة أخرى، ثم قال محمد عفت كالمحتج: ضغط ... ضغط ... ضغط، لا نسمع الآن إلا الطبيب وهو يقول كأنما يأمر عبيده: لا تشرب الخمر، لا تأكل اللحوم الحمراء، احذر البيض.
فتساءل أحمد عبد الجواد ساخرا: وماذا يصنع إنسان مثلي لا يأكل إلا اللحوم الحمراء والبيض، ولا يشرب إلا الخمر؟
فقالت زبيدة من فورها: كل واشرب بالهنا والشفا ، الإنسان طبيب نفسه، وربنا هو الطبيب.
ومع ذلك فقد اتبع تعاليم الطبيب في الفترة التي اضطر فيها إلى الرقاد، فلما نهض تناسى نصح الطبيب جملة وتفصيلا. عادت جليلة تقول: أنا لا أومن بالأطباء، ولكني أقيم لهم العذر فيما يقولون ويفعلون، فإنهم يتعيشون من الأمراض كما نتعيش نحن العوالم من الأفراح، ولا غناء لهم عن القربة والمنفاخ، والأوامر والنواهي، كما لا غناء لنا عن الدف والعود والأغاني.
فقال السيد بارتياح وحماس: صدقت؛ فالمرض والصحة والحياة والموت بأمر الله وحده، ومن توكل على الله فلا يحزن.
إبراهيم الفار ضاحكا: اشهدوا يا ناس على هذا الرجل، إنه يشرب بفيه، ويفسق بعينه، ويعظ بلسانه!
أحمد عبد الجواد مقهقها: لا علي من ذلك ما دمت أعظ في ماخور.
محمد عفت وهو يتفحص أحمد عبد الجواد، ويهز رأسه متعجبا: وددت لو كان كمال بيننا لينتفع معنا بوعظك.
فتساءل علي عبد الرحيم: على فكرة، ألا يزال على رأيه من أن أصل الإنسان هو القرد؟
فضربت جليلة صدرها بيدها هاتفة: يا ندامتي!
نامعلوم صفحہ