212

التفت رأسه نحو الفراش ثم ابتسم في تسليم، وأخيرا تساءل كالداهش: أأنت يقظى؟ ظننتك نائمة فلم أشأ أن أزعجك. - قلبك طيب، كم الساعة الآن؟ - الثانية عشرة على الأكثر، فإني غادرت المجلس حوالي الحادية عشرة، وجئت ماشيا واحدة واحدة. - لازم كان مجلسك في بنها! - لماذا؟ هل تأخرت؟ - انتظر حتى يجيبك ديك الفجر بنفسه. - لعله لم ينم بعد.

وجلس على الكنبة ليخلع حذاءه وجوربه، ولم يكن عليه إلا القميص والسروال، وعند ذاك ندت عن السرير طقطقة ورأى شبحها يستوي جالسا، ثم سمعها تقول في حدة: أشعل المصباح. - لا داعي لذلك، فقد فرغت من خلع ملابسي. - أريد أن نصفي حسابنا في النور. - تصفية الحساب في الظلام ألطف!

وصدرت عنها نفخة غيظ ثم غادرت الفراش، ولكنه مد ذراعيه من مجلسه القريب فأصاب منكبها، فجذبها إلى الكنبة وأجلسها إلى جانبه وهو يقول: لا تشعلي الفتنة.

تخلصت من يده، وقالت: أين ما تعاهدنا عليه؟ لقد قبلت أن تسكر في الحانات كما تحب على شرط أن تعود إلى بيتك في وقت مبكر، قبلت هذا على رغمي لأنك لو سكرت في بيتك لوفرت على نفسك مالا كثيرا يضيع هباء، ومع ذلك فها أنت تعود قبيل الفجر غير مبال بما تعاهدنا عليه!

من يستطيع أن يخادع ربيبة التخت والعود؟ وإذا ثبتت لها خيانتك يوما فهل تقف عند حد الشجار أم ...؟ فكر مرتين، ولا تنس كذلك أن فقدها لا يهون، إنها أحب زوجاتي إلي خبيرة بما يسعدني، متمسكة بحياتنا، لولا الملل! - كنت في مجلس كل ليلة لم أغادره إلا إلى بيتي، وعندي شاهد تعرفينه، أتدرين من هو؟ (وضحك بصوت عال).

ولكنها قالت ببرود: تكلم في الموضوع.

فقال وهو لا يزال يضحك: كان جليسي الليلة أخي كمال.

فلم تدهش كما توقع، وقالت في نفاد صبر: من يشهد للعروس؟ - لا تكابري ... براءتي كالشمس ... (ثم متأففا) ... يحزنني والله أن ترتابي في سلوكي، شبعت من الدوران حتى المرض، ولا رغبة لي الآن إلا الحياة الهادئة، أما الحانة فتسلية بريئة لا غبار عليها، ولا بد للإنسان من مخالطة الناس.

فقالت بصوت دلت نبراته على الانفعال: آه منك، أنت تعلم أني لست طفلة، وأن الضحك علي مطلب عسير، وأنه من الخير لكلينا ألا تدخل بيننا الريبة.

موعظة أم وعيد؟ أين مني حياة أبي المثالية، الرجل الذي يفعل ما يشاء، فإذا رجع إلى بيته وجد الاستقرار والحب والطاعة، لم يتحقق لي هذا الحلم على يد زينب ولا مريم، وأخلق به ألا يتحقق على يد زنوبة، لا ينبغي لهذه العوادة الجميلة أن تيئس طالما هي على ذمتي. قال بحزم: لو كان بي رغبة إلى مزيد من الحرام ما تزوجتك.

نامعلوم صفحہ