اعتدلت في جلستها، فندت عنها ضحكة خافتة كأنها وسوسة الأماني، ثم قالت: الفراسة بداهة، فكيف تطالب بتفسير لها؟ - إنها تعبث.
قال حسين ذلك وهو يضحك، فبادرت تقول: كلا، إذا كان الشاعر لا يعجبك فلا تكنه.
النحلة فطرتها الطبيعة ملكة، البستان مغناها، رحيق الزهر شرابها، الشهد نفثها، وجزاء الآدمي الطائف بعرشها ... لسعة ... لكنها قالت: «كلا!» عادت تسأله: هل قرأت من القصص الفرنسية شيئا؟ - بعض ما ترجم عن ميشيل زيفاكو، لا أستطيع أن أقرأ الفرنسية كما تعلمين.
فقالت بحماس: لن تكون مؤلفا حتى تتقن الفرنسية، اقرأ بلزاك وجورج صاند، ومدام دي ستال ولوتي، واكتب بعد ذلك قصة.
فقال كمال باستنكار: قصة؟ إنها فن على الهامش، إنما أتطلع إلى عمل جدي.
فقال حسين جادا: القصة في أوروبا عمل جدي، ثمة كتاب يتفرغون لها دون غيرها من فنون الكتابة فترفعهم إلى درجة الخالدين. لست أهرف بما لا أعرف، ولكن أستاذ اللغة الفرنسية أكد لي ذلك.
هز كمال رأسه الكبير في شك، فاستطرد حسين قائلا: حاذر أن تغضب عايدة، إنها قارئة معجبة بالقصة الفرنسية، بل إنها بطلة من بطلاتها.
فمال كمال إلى الأمام قليلا، ومد إليها بصره ليقرأ أثر قول حسين فيها مغتنما الفرصة المتاحة ليملأ عينيه من منظرها البهيج، ثم تساءل: كيف كان ذلك؟ - إن القصة تستغرقها استغراقا غريبا، فرأسها مفعم بحياة خيالية، مرة رأيتها تختال أمام المرآة، فسألتها عما بها؟ فأجابتني: «هكذا كانت تسير أفروديت على ساحل البحر بالإسكندرية!»
قالت عايدة وهي تقطب تقطيبة باسمة: لا تصدقه، إنه أغرق مني في الخيال، ولكنه لا يرتاح حتى يرميني بما ليس في.
أفروديت؟ ... ما أفروديت يا معبودتي؟ يحزنني وحق كمالك أن تتخيلي نفسك في صورة غير ذاتك.
نامعلوم صفحہ