انگلینڈ اور سویز کینال: 1854-1951
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
اصناف
على أن دي لسبس لم يفقد الأمل في نجاح مشروعه، فهو يلتجئ إلى نابليون الثالث لحماية المشروع الفرنسي.
واضطر إسماعيل باشا إلى أن يلتجئ إلى الباب العالي يطلب تأييده أمام فرنسا، فهو يخشى بطبيعة الحال غضب الحكومة الفرنسية، والتجأ الباب العالي من جانبه إلى إنجلترا، فأبدى سفير إنجلترا في استامبول رأيه في أن الامتياز الممنوح لا قيمة له طالما لم يوافق الباب العالي عليه، ولكن الحكومة العثمانية لم تكن تجرؤ على اتخاذ مثل هذه الخطوة وتلغي الامتياز، وخاصة بعد أن سار المشروع الفرنسي في دور التنفيذ مدة أربع سنوات، فالحكومة الفرنسية لا بد وأن تحتضن المشروع حتى تحافظ على مصالح وأموال رعاياها.
وانتهز السفير البريطاني فرصة وجود إسماعيل باشا في العاصمة التركية سنة 1863 ليحضه هو وحكومة الباب العالي على الصمود أمام فرنسا، فإنجلترا لن تقوم بتأييد الاثنين إلا إذا حافظا على مصالحهما واستقلالهما، وبين للفريقين أنه لا مناص من وضع حد لتسخير الفلاحين المصريين، ولا بد من أن تدفع الشركة أجورا معقولة لهم، ونبه إلى أن عقد الامتياز لا يصبح ملزما إلا إذا وافقت على كل شروطه الحكومة العثمانية، فهي إذن تستطيع تعديل الشروط التي تراها منافية لمصلحتها ولمصلحة مصر، وليس للحكومة الفرنسية إذن حق الاحتجاج، وأن على الدولة العثمانية اتخاذ كل التدابير لحماية مصالحها لا تخشى في ذلك لومة لائم، وأن تبلغ قراراتها للدول الكبرى، وقد ذكر السير هنري بلور الحكومة العثمانية أن الحكومة الإنجليزية لن ترضيها أن ترى سيادة الباب العالي وحكومة الوالي في مصر ستارا لنفوذ دولة أجنبية، وكان الهدف الذي ترنو إليه الحكومة الإنجليزية من كل هذا هو أن توقع شركة القناة في أزمة مالية كبيرة وأن تقضي على الثقة فيها.
ولكن آمال إنجلترا في القضاء على المشروع انهارت حين علمت أن إسماعيل باشا حين رجع إلى مصر وصل إلى اتفاق مع شركة القناة، فهذا الاتفاق مع الشركة فيه اعتراف ضمني بمركزها وبقيمة المشروع، فلقد أخذت الحكومة المصرية على عاتقها حفر الترعة العذبة من القاهرة إلى وادي الطميلات في مقابل تنازل الشركة عن حقوقها في الأراضي الواقعة على جانبي الترعة، واتفق إسماعيل باشا أيضا مع الشركة على تقصير المدد التي تدفع فيها الحكومة المصرية الأقساط المستحقة من ثمن الأسهم.
ثارت ثائرة إنجلترا لذلك، ووبخت الحكومة البريطانية قنصلها العام، وبذلت جهدها لإلغاء الاتفاقية، وأرسلت إلى إسماعيل تنذره بأن دي لسبس ينتقص من سلطة الوالي، وأن الخطر لا شك محدق بمركزه إذا استمر في هذه الخطوة واستمع للفرنسيين، ولكن إسماعيل باشا وجه لهذا الإنذار أذنا صماء.
وحين أراد السلطان عبد العزيز زيارة مصر، عارضت إنجلترا في هذه الزياة خوفا من أن تحاول الشركة الاتصال به في مصر والتأثير عليه، واهتمت إنجلترا بمراقبة المشرفين على أمور الشركة في مصر، ومعرفة مدى اتصالهم بحاشية السلطان، ولهذا الغرض أرسل السفير البريطاني في استامبول سكرتيره إلى مصر.
وكان المشرفون على الشركة في مصر من جانبهم يتوقون لزيارة السلطان العثماني منطقة القناة، فلقد كانت خطة الشركة في مثل هذه الظروف دعوة العظماء وأولي الأمر لرؤية المشروع وهو في دور التنفيذ وزيارة مناطق الحفر، وكانت ترى في ذلك دعاية لها وتقوية لمركزها في مصر والخارج.
ولقد حاول دي لسبس الاتصال فعلا بحاشية السلطان، ولكن إنجلترا ارتاحت تماما لعدم زيارة السلطان مناطق الحفر، وكانت قد طلبت منه بالفعل عدم زيارة هذه المناطق، ولقد انقاد السلطان لمشورة إنجلترا، ولم يكتف بذلك، بل بعث بمذكرة سياسية إلى كل من الحكومتين الإنجليزية والفرنسية يبين فيه وجهة نظره فيما يختص بضرورة تعديل شروط الامتياز فيما يتعلق بالسخرة واسترداد الأراضي حول القناة من الشركة، وكما كانت الحكومة الإنجليزية تراقب الحالة بدقة عن كثب، كانت الحكومة الفرنسية متنبهة للموقف، فهي تحذر إسماعيل باشا عواقب القيام بعمل يمس مشروع القناة قبل أن يحيطها علما بذلك، وكان القنصل الفرنسي العام في مصر من ناحيته متيقظا كل التيقظ يخابر حكومته في كل الأمور المتصلة بمشروع القناة، وما تقوم به الحكومة المصرية أو قنصل إنجلترا في مصر من خطوات قد تؤثر في مستقبل ذلك المشروع.
ولقد استمر النزاع قائما بين إسماعيل باشا وشركة قناة السويس إلى أن قبل إسماعيل باشا تحكيم الإمبراطور نابليون الثالث، ففض ذلك النزاع، وذلك بأن أجيب والي مصر إلى تعديل الشرطين الخاصين بتسخير الفلاحين المصريين وبامتلاك شركة القناة للأراضي سالفة الذكر، نظير دفع إسماعيل باشا تعويضا للشركة يبلغ ثلاثة ملايين من الجنيهات تدفع على خمسة عشر عاما، وبذا رجع إلى حوزة مصر 180 ألف فدان وبقي للشركة 30 ألفا.
ولم تستطع إنجلترا أن تعارض في تحكيم إمبراطور الفرنسيين ولا في الحكم الذي أصدره، وبذا زاد مركز شركة القناة قوة، وزادت الثقة بها، وتمكنت من أن تسير في تنفيذ مشروعها حتى استطاعت أخيرا إنجازه.
نامعلوم صفحہ