قاموس فولتير الفلسفي

فولتير d. 1450 AH
93

قاموس فولتير الفلسفي

قاموس فولتير الفلسفي

اصناف

وأما السجل الثالث الأدنى كثيرا من السجلين السابقين، فيوجد ضمن منحوتات آريندل: تاريخ أثينا مدفون هناك منذ مائتين وثلاثة وستين عاما قبل عصرنا؛ لكنه لا يرجع إلا إلى سيسروب قبل ألف وثلاثمائة وتسعة عشر عاما من دفنه. هذه هي السجلات الثلاثة الوحيدة التي لا جدال عليها المتاحة لنا في تاريخ العصور القديمة.

دعنا ننتبه جيدا لتلك المنحوتات التي استعادها من اليونان اللورد آريندل. يبدأ تاريخها قبل ألف وخمسمائة واثنين وثمانين عاما من عصرنا. وذلك اليوم (1771) تاريخ 3353 عاما من العصور القديمة، ولا ترى هناك حقيقة واحدة يمكن تصنيفها بالخرافة أو المعجزة. والأمر نفسه بشأن الأوليمبيات، فلا يوجد فيها ما يقال عنه «اليونان الكاذبة». عرف اليونانيون جيدا كيف يميزون بين التاريخ والحكايات الخيالية، وبين الوقائع الحقيقية وحكايات هيرودوت. تماما كما كان يحدث في شئونهم الجادة، لم يقتبس أي من خطبائهم شيئا من خطب السوفسطائيين أو من صور الشعراء.

حدد تاريخ الاستيلاء على طروادة في هذه المنحوتات، لكن لم تذكر سهام أبولو، ولا تضحية إيفيجنيا، ولا معارك الآلهة السخيفة. يمكننا أيضا أن نجد هناك تاريخ اختراع تريبتولومي وسيريس، لكن لا تدعى سيريس إلهة. تذكر قصيدة كانت تتكلم عن خطف بروسبيرين، ولا يقال إنها ابنة جوبيتر ولا أنها إلهة، ولا أنها زوجة إله جهنم.

قدم هرقل في أساطير إلفسينا الغامضة، ولكن لم تذكر كلمة واحدة عن أعماله الاثني عشر، ولا عن مروره بأفريقيا عبر كأسه، ولا عن ألوهيته، ولا عن السمكة الكبيرة التي ابتلعته واحتفظت به في بطنها ثلاثة أيام بلياليها طبقا لرواية ليكوفرون.

أما فيما يشيع بيننا، فعلى النقيض من ذلك، يجلب لواء من السماء على يد ملاك إلى رهبان سان دينيس؛ وتأتي حمامة بقارورة زيت إلى الكنيسة في الرانس؛ وينهمك جيشان من الثعابين في معركة حامية في ألمانيا؛ ويحاصر أسقف في ماينس وتأكله الفئران، وفوق كل ذلك، أوليت عناية كبيرة لتحديد العام الذي وقعت فيه هذه المغامرات.

التاريخ كله معاصر، وليس مدهشا أنه ليس لدينا تاريخ دنيوي قديم أبعد من أربعة آلاف عام. إن دورات كوكبنا، والجهل الممتد والشامل بذلك الفن الذي ينقل الحقائق عبر الكتابة هما السبب في ذلك. كان هذا الفن شائعا بين عدد صغير جدا من الأمم المتحضرة، وكان متاحا في أيدي القليل جدا منهم. ولم يكن شيء بين الفرنسيين والألمان أندر من معرفة الكتابة. وحتى القرن الرابع عشر من عصرنا كان يصدق تقريبا على كل الأعمال بواسطة الشهود. وحدث في فرنسا، فقط تحت حكم شارل السابع في عام 1454م، أن بدأ تسجيل بعض جمارك فرنسا كتابة. وكان فن الكتابة نادرا بين الإسبان، وينتج من ذلك أن تاريخهم جاف للغاية، وغير أكيد للغاية، حتى عصر فرديناند وإيزابيلا. ويرى المرء من ذلك إلى أي مدى استطاع ذلك العدد القليل من الناس الذين يعرفون الكتابة أن يخدعوا، وكم كان سهلا أن يجعلونا نصدق أكبر السخافات.

ثمة أمم استعبدت جزءا من العالم دون أن تعرف استخدام الحروف. نعلم أن جنكيز خان غزا جزءا من آسيا في بداية القرن الثالث عشر، ولكن لم نعلم بهذا من قبله أو من قبل التتار. تاريخهم الذي دونه الصينيون وترجمه الأب جوبال يذكر أن هؤلاء التتار لم يكن لديهم فن الكتابة في ذلك الوقت.

ولا يحتمل أن هذا الفن كان مجهولا بقدر أقل عند السيثيين والأوجسكيين الذين سماهم الفرس واليونانيون بالماديين، الذين غزوا جزءا من أوروبا وآسيا قبل عهد قورش. من المؤكد تقريبا أنه في ذلك الوقت كان بالكاد من بين مائة أمة أمة أو اثنتان تستخدمان الحروف. من الممكن أنه في عالم قديم مدمر عرف الناس الكتابة والفنون الأخرى ؛ لكن في عالمنا كل هذا حديث.

ثمة سجلات من نوع آخر تساعد على الترسيخ الموغل في القدم لشعوب معينة تسبق كل العصور المعروفة وكل الكتب؛ وهذه هي عجائب العمارة مثل أهرامات مصر وقصورها التي تحدت الزمن. لم يكن هيرودوت الذي كان يعيش منذ ألفين ومائتي عام مضت، ورأى تلك الآثار، قادرا أن يعرف من الكهنة المصريين العصر الذي شيدت فيه.

من الصعب تقدير عمر أقدم الأهرامات بأقل من أربعة آلاف عام من القدم. لكن لا بد أن نضع في اعتبارنا أن جهود الملوك للتفاخر إنما حدثت على الأرجح بعد تأسيس المدن بفترة طويلة. لكن أن تبني مدنا في أرض يغمرها الماء كل عام، دعنا نلحظ دوما أنه كان من الضروري أولا رفع أراضي المدن على أكوام في هذه الأرض الموحلة، وجعلها بمنجى من الفيضان؛ كان أساسيا، قبل اتخاذ هذا المسار الضروري، وقبل الشروع في تلك الأعمال العظيمة، أن يمارس الناس التراجع خلال فيضان النيل وسط الصخور التي تشكل سلسلتين عن يمين هذا النهر وعن يساره. كان ضروريا لهذه الحشود من الناس أن تكون لديها الأدوات اللازمة للحرث وللعمارة، ومعرفة بالمسح والمعاينة، إلى جانب القوانين والشرطة. يتطلب كل ذلك بالضرورة وقتا طويلا جدا. نستطيع أن نرى عبر تلك التفاصيل الطويلة التي تواجه يوميا أهم أعمالنا وأصغرها كم هو صعب القيام بأعمال عظيمة، وأنها لا تحتاج فقط إلى عناد صلب، ولكن أيضا إلى أجيال تحركها هذه الصلابة.

نامعلوم صفحہ