قاموس فولتير الفلسفي

فولتير d. 1450 AH
68

قاموس فولتير الفلسفي

قاموس فولتير الفلسفي

اصناف

يولد الرجال جميعا ولديهم ميل عنيف بقدر وافر إلى السيطرة والثروة والمتعة، وكثير من الميل إلى الكسل؛ ومن ثم يريد كل الرجال أموالهم، وزوجات الآخرين أو بناتهم؛ ليسودوا عليها، ويخضعوها لجميع نزواتهم، من دون أن تفعل شيئا، أو أن تفعل أشياء وديعة جدا على الأقل. ترى بوضوح أنه مع تلك الميول الحادة، يستحيل على البشر أن يكونوا متساوين، كما يستحيل على واعظين أو أستاذين في اللاهوت ألا يغار أحدهما من الآخر.

لا يمكن للجنس البشري، كما هو الآن، أن يستمر إلا إن كان هناك عدد لا نهائي من البشر النافعين الذين لا يملكون شيئا على الإطلاق؛ فأكيد أن الرجل الثري لن يترك أرضه ليحرث أرضك؛ وإن كنت في حاجة لزوج من الأحذية فلن يصنعه لك سكرتير المجلس الخاص. لذلك، فالمساواة هي أكثر الأمور طبيعية وأكثرها خيالا جامحا في الوقت ذاته.

بسبب أن البشر يفرطون في كل شيء حينما يستطيعون ذلك، أصبح التفاوت مبالغا فيه. أصبح يراعى في كثير من البلاد ألا يسمح للمواطن بترك البلد التي تسببت الصدفة في أن يولد فيها؛ ومنطق هذا القانون بوضوح هو: «هذه الأرض سيئة وتدار بشكل سيئ لدرجة أننا نمنع أي فرد من أن يغادرها خوفا من أن يغادرها الجميع.» افعل شيئا أفضل، اجعل كل رعاياك يرغبون في أن يعيشوا ببلدك، والأجانب يرغبون في أن يأتوا إليها.

كل الناس لديهم الحق من أعماق قلوبهم في أن يعتقدوا بأنهم مساوون كليا للناس الآخرين. لا يعني ذلك أن طاهي الكاردينال يجب أن يأمر سيده بأن يعد له العشاء، ولكن يمكن للطاهي أن يقول: «أنا إنسان مثل سيدي، ومثله ولدت باكيا، ومثلي سيموت بالآلام نفسها والمراسم ذاتها. كلانا يؤدي وظائف الحيوان ذاتها. إن استولى الأتراك على روما، وإن أصبحت حينها كاردينالا وأصبح سيدي طاهيا فسألحقه بخدمتي.» هذا الحديث معقول وعادل، ولكن في انتظار أن يأتي عظيم الترك ليستولي على روما، على الطاهي أن يستمر في أداء واجبه وإلا فسيفسد المجتمع الإنساني كله.

أما الإنسان الذي ليس طاهيا ولم يمنح أي وظيفة في الدولة؛ أما الشخص العادي غير المرتبط بشيء لكنه يشعر بالغيظ لأنه يستقبل في كل مكان في جو من الخضوع للحماية أو الاستهانة، ويرى بوضوح كاف أن الكثير من «السادة» لا يملكون أكثر مما يملكه من المعرفة أو الذكاء أو الفضيلة، ويشعر بالملل أحيانا من الانتظار في غرف انتظارهم، فما الذي ينبغي أن يقرر فعله؟ أن ينأى بنفسه.

الكفارة

لعل أجمل بدع العصور القديمة هي الطقس الديني المهيب الذي كان يكبح الجرائم بالتحذير من العقاب عليها، وكان يهدئ من يأس المذنبين بجعلهم يكفرون عن خطاياهم بالتوبة. لا بد أن الندم يسبق التوبة بالضرورة؛ لأن الأمراض أقدم من الدواء، وكل الاحتياجات وجدت من قبل أن تلبى.

لذلك كان قبل كل العقائد دين طبيعي، أزعج قلب الإنسان حينما ارتكب بجهله أو تسرعه فعلا غير إنساني. صديق قتل صديقه في مشاجرة، أخ قتل أخاه، عاشق غيور وثائر قتل حتى المرأة التي لا يستطيع أن يحيا من دونها، أدان رئيس الأمة رجلا فاضلا ومواطنا نافعا. هؤلاء رجال أصابهم اليأس إن كان لديهم إحساس. يكدرهم ضميرهم؛ لا شيء أصدق من هذا؛ وهذه قمة التعاسة. يتبقى خياران فقط؛ إما التعويض وإما الركون إلى الجريمة. تختار النفوس الحساسة كلها الخيار الأول، بينما يختار المسوخ الثاني.

حالما أرسيت الأديان ظهرت الكفارات. كانت الطقوس المصاحبة لها مثيرة للسخرية؛ فما العلاقة بين مياه نهر الجانج والقتل؟ كيف يمكن لإنسان أن يتدارك جريمة قتل بالاغتسال؟ لحظنا بالفعل هذا الإفراط في الضلال والسخف بتخيل أن من يغسل جسده يغسل روحه، ويزيل أدران الأفعال الشريرة.

كان لمياه النيل بعد ذلك فضل مياه نهر الجانج نفسه، وأضيفت مراسم أخرى لتلك التطهيرات، أؤكد أنها كانت أفظع. كان المصريون يأخذون عنزتين، ويجرون القرعة على أي واحدة منهما يجب أن يلقوا بها محملة بخطايا المذنبين، ومنح اسم «هزازيل»، أي المكفر، للعنزة. أتساءل: ما العلاقة بين عنزة وجريمة إنسان؟

نامعلوم صفحہ