فرفع الناسك يده إلى العلاء وهما جاثيان أمامه، وطلب إلى الله أن يبارك اقترانهما، وعند نهاية صلاة الإكليل تناول حبيب من داخل ثيابه ذخيرة ذهبية معلقة بسلسلة دقيقة الصنع، فطوق بها عنق عروسه.
وفي اليوم التالي اكتريا غرفة في سفح الجبل قريبة من الناسك، وأويا إليها ريثما يروق الكأس، وتهدأ الاضطرابات، وكان حبيب يخرج للصيد في النهار، ويعود مساء بما جمع من الطير والحيوان فيقتاتان به وهما ثملان بنشوة الحب.
ولبثا على تلك الحال حتى آخر شهر أبريل (نيسان)، إذ صفا الجو وانقطعت الأمطار، واكتست الأرض والأشجار بحلل الربيع البديعة الألوان، وهب عليهما النسيم عليلا، فتعانقت الأغصان بعد طول الافتراق، وانتشر شذا عبيرها فتعطرت الأرجاء.
وكان حبيب يخرج مع زوجته كل عشية بعد الفراغ من الصيد إلى سهل قريب، ويجلسان على صخرة تجري المياه بقربها صافية، فيسمع لها خريرا كأنه رنة الأوتار، والطيور تغرد فوقها على اختلاف الألحان، وقد تغلغلت بين الأغصان قصد المبيت إلى طلوع النهار.
الفصل الرابع
غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا ...
غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا
بأن نغص فقال الدهر آمينا
بينما كان الزوجان جالسين ذات يوم في هذا المكان على عادتهما يتبادلان أحاديث الحب والهيام، قالت له فاتنة وهي تلعب بأطراف شعرها المنسدل على كتفيها، ممثلا ظلام الليل حول بدر محياها، وقد صبغ وجهها الجلنار: إني قد صرت أما.
فضمها بين ذراعيه، وقطف من ورد وجنهما قبلة لم يدر في خلده أنها كانت قبلة الوداع، وقبل أن يجيبها بكلمة سمع عدة طلقات نارية قد دوت بالقرب منهما، فذعر لسماعها، وللحال نهض مستويا وانتضى سيفه باليد الواحدة، وغدارة بالأخرى وصاح من القادم، فأجابه صوت البنادق مكررا تلك الطلقات، فتقدم نحو الصوت بشجاعة عظيمة، وإذا بستة رجال مدججين بالسلاح قد اعترضوه وتكاثروا عليه، فأصابوه برصاصة في ظهره ألقته على الأرض صريعا، فتركوه يتمرغ بدمه وأسرعوا إلى زوجته، وكانت قد سقطت مغمى عليها فحملوها وساروا بها مجدين.
نامعلوم صفحہ