وكانت روزه مطرقة حياء، ووجهها يتلون بتلون شعورها، كأنه يعكس ما كان يسيطر في فؤادها من التأثر والانفعال، ويبوح بما في ضميرها من السرور والهيام، حتى إذا انتهى عزيز من حديثه، وساد السكوت حينا، رفعت رأسها، وقد ورد الخجل وجنتيها، وبعث السرور في عينيها شعاعا من النور زاد في جمالها رقة وفي نظراتها تأثيرا، وقالت له: أشكرك أيها الصديق على ما جاء في عباراتك من معاني الود، فإنها والحق يقال لأكبر دليل على شرف محتدك، وكريم أصلك.
فانحنى أمامها شاكرا، وودعها وانصرف.
أما روزه فلبثت بعد خروجه تردد في ذهنها كلماته، فيرقص فؤادها طربا، تبحث فيما انطوى عليه من حسن الشمائل وحميد الخلال، فتزداد رفعة في عينيها رغما عن قلة ذات يده.
ثم نهضت وهي تقول: إن المال لا قيمة له عندي، ولا سيما أن ثروة أبي كافية لنا، بل هنالك أمر أرمي إليه وشيء أقف فؤادي عليه، ألا وهو عزة النفس، وكمال العقل، وطهارة الحب، فهذه صفات لا يعادلها مال الأرض طرا.
الفصل الحادي عشر
التذكار
ومرت الأيام وتوالت الشهور، وعزيز لا يألو جهدا عن السعي وراء عمل يدرك منه بغيته، وساعدته روزه على ذلك بأن سهلت له سبيل الاستخدام عند والدها، وكان يتردد في أثناء ذلك إلى منزلها، ويتمتع بمشاهدة طلعتها الباهرة واستماع ألفاظها العذبة.
وكثيرا ما كان يبحث مع يوسف في وجوب توسيع دائرة أشغاله لما في ذلك من الأرباح الطائلة، فاستصوب رأيه وعزم على اتباعه، ولم تكن سوى بعض أيام حتى أنشأ مصرفا عظيما وعين الأمير مديرا له، لما كان يعهد فيه من الأمانة والاستقامة، ومن ذلك الوقت اشتدت العلاقة بينهما، فكان عزيز يدأب النهار بطوله في العمل ويقضي سهراته في منزل يوسف، حتى توثقت الألفة بينهم جميعا ولا سيما بين عزيز وروزه، فقد صفت لهما الأيام بتوفير فرص الاجتماع، فكانا يقضيان الوقت بين نقر الأوتار والتنقل في الحديقة تحت ظل الأشجار، وهما فرحان بما قسم لهما الدهر من الغبطة والسرور، قانعان لما نالا من الهناء والحبور.
وكان في الحديقة شجرة صفصاف كبيرة تتدلى أغصانها الكثيفة إلى الأرض، فتمثل غرفة طبيعية أرضها مكسوة ببساط من نسيج الربيع، وأثاثها مقعدان مصنوعان من الصخور الاصطناعية.
فجلس المحبان يوما في ظل تلك الصفصافة، وباح كل منهما للآخر بما يكنه فؤاده الولهان، وأقسما على الثبات في الحب حتى الممات، ثم تناول عزيز سلسلة ذهبية من عنقه، قد علق فيها ذخيرة صغيرة كانت التذكار الوحيد عنده من والدته، وأعطاها إلى روزه راجيا أن تقبلها منه عربونا لحبهما.
نامعلوم صفحہ