قلب العراق رحلات وتاريخ
قلب العراق رحلات وتاريخ
اصناف
نحكم في الأقدار أوهام عاقل
أمور بإسعاف المقادير نلتها
على حين أعيا نيلها بالوسائل
هو لا يرى أن في هذه العقيدة عقالا لشبان الشرق، وهم في معترك هذه الحياة الحديثة، غريبة الألوان والأشكال. بل يرى عكس ذلك. إني أنقل من نثره السلس المتين كلمة كتبها في «التفوق الغربي الموهوم» قال:
نحن الآن في عصر الشك، كما يقول فريق من أهل الغرب. ومن ذلك أن شكنا الآن يتناول حتى أسس الثقافة التي يريدها معظم الغربيين للشرقيين. ومن بين هذه الأسس غمز الشرق والشرقيين، والتنديد تصريحا أو تلويحا بقيمة أثرهم في الحياة. حتى ضعفت ثقة شباب الشرق بأنفسهم، وببطولة أسلافهم، وتلاشت في بعض الجهات، وحل محلها الثقة المطلقة بتفوق الغربيين.
هذا إلى أن نشبت الحرب العامة الأخيرة، وأسفرت بعد أن ظهرت أسبابها ونتائجها للعيان، عن حركة فكرية عامة تجتاح الآن أذهان البشر بدون تمييز. ويتوقع أن يكون من نتائج هذه الحركة الفكرية، رجوع القوم عن الشطط في أحكامهم على الشرق والشرقيين، ونبذ دعوى التفوق الغربي الموهوم، والتسليم بتكافؤ المواهب والكفايات في أصل فطرة الجنس البشري. فليس في الدنيا من هذه الناحية شرق ولا غرب، بل بشر يتداولون التفوق والغلبة، وفق أحكام سنن الكائنات العامة «نواميس الاجتماع والعمران» ولا شيء أفعل في تجديد شباب الرق، واستئناف قواه للعمل في سبيل حضارته وعمرانه، من رسوخ هذه العقيدة القويمة فيه.
أحمد الصافي النجفي.
ومن قفص النجف فر طير آخر هاربا، فر يطلب قسمته من الإرث السماوي. هو طير ولا كالأطيار، له منقاد البومة، وصدر الورقاء، وجناح الهدهد، وذنب الطاووس. وله في الشدو هديل الحمام، وصفير البلبل، وعندلة العندليب. هو طير غريب فريد، يدعى بين الناس بأحمد الصافي، ويعرف بالشاعر المجدد، والشاعر البائس، فقد ولد في النجف، يوم كان الحسن الخلقي والصحة والنعمة تتنزه كلها في الكون الأعلى، فما رمقته بنظرة ساعة الولادة، ولا دنت بعد ذلك من ملعبه، أو من رحله، أو من كوخه.
ما عوض عليه النجف بشيء مما حرم، ولا أحسن الترحال، ما لزمه من سوء الحال، فقد تنقل من كوخ إلى كوخ، ومن بلد إلى بلد، ومن مضرب في البادية إلى آخر، ومن مضارب البدو إلى مرابع الحضر، ومن مستشفى لا يشفي إلى مستشفى لا يرحم، وهو في كل أحواله مجهول غريب، فقد كان يدعى عجميا في النجف، وعربيا في بلاد العجم، ثم راح يقيم بين البدو فظنوه من الحضر، وجاء سوريا فظنه أهلها من البدو.
إنه لطير عجيب غريب، يحسن الطيران والغناء، ولا يحسن سواهما. وهو كما ألمحت وليد برج النحوس. فالدمامة أمه، والسقم أبوه، والبؤس أخوه. بل إن له من الأسقام إخوانا يقيمون في أعضائه وفي أعصابه. أما الروح منه فهي سليمة قوية، بل هي روح جبارة في هيكل سقيم.
نامعلوم صفحہ