فقال الرئيس: «ولكن قد حبطت مساعيك؛ لأن الفارس عاد ومعه هذا الطبيب الذي لا بد من أن يشفي ريكارد سريعا، وإذا شفي فلا بد من أن يقود الجيش على القدس.»
قال المركيز: «اصبر تر العجائب، فإنني عازم أن أوسع الخرق بين ريكارد وبين ملك فرنسا ودوق النمسا في الحال، حتى إذا شفي ريكارد لا يرى له أسلم من الرجوع بمن بقي من جنوده إلى بلاده.» ولما قال ذلك أخذه الرئيس بيده، وقال له بصوت خفي: «إن ريكارد لن يقوم من هذا المرض.»
فنفر المركيز منه وقال له: «من تعني؟ أتعني ريكارد قلب الأسد وبطل النصرانية؟!» قال ذلك، وقد امتقع وجهه واصطكت ركبتاه، فنظر إليه الرئيس وقال له: «أأنت مركيز منسرات؟! أأنت مشير الملوك ومدبر الممالك؟! ما عهدتك ترتاع من أمر كهذا.»
فقال المركيز: «أتريد أن تجعلنا مثلا في الدنيا وعارا ولعنة في كل أوروبا؟»
فقال الرئيس: «إن كان هذا هو رأيك فلنقف عند هذا الحد ونتعاهد على عدم الإباحة بشيء مما دار بيننا، ولننسه كأنه لم يكن.»
فقال المركيز: «لا يمكننا أن ننساه.»
فقال الرئيس: «صدقت، فإن الإحلام بالتيجان والممالك لا تنسى.»
فقال المركيز: «إذا كان الأمر كذلك فلنسع أولا في إلقاء الشقاق بين النمسا وإنكلترا.» ثم افترقا فذهب الرئيس في طريقه ولبث المركيز في مكانه يعجب من إقدام الرئيس على ما لا يجسر هو أن يقدم عليه من أن الرئيس يسعى لخير غيره وهو يسعى لخير نفسه.
ولم يكن المركيز من الذين يحبون إيلام غيرهم وإيقاع الضرر بهم، ولم يكن فيه من عيب سوى أنه طماع، وفيما هو يتأمل فيما دار بينه وبين رئيس الهيكليين من الحديث ويقول في نفسه: «الأرجح أن الرئيس مصيب في رأيه ولا بد من التخلص من هذه الجيوش.» سمع الحراس ينادي بعضهم بعضا قائلين: «تذكروا الكتاب الطاهر.» وهذا كان نداؤهم الذي ينادون به بعضهم بعضا في الليل. وكان قد سمع هذا النداء مرارا كثيرة، ولكنه لم يفقه معناه إلا الآن، فشعر كأنه صوت من السماء جاء لتنبيهه ورده إلى سواء السبيل، فنظر حواليه كما نظر إبراهيم الخليل كأنه ينتظر كبشا للمحرقة بدل ملك الإنكليز الذي كان الرئيس عازما أن يضحيه على مذبح مطامعه، فوقع نظره على العلم الإنكليزي، وكان مرفوعا على رابية صناعية في وسط المحلة، فخطر له خاطر سريع أراح أفكاره وهدأ روعه، فمضى إلى خيمته ونام تلك الليلة وهو يقول: «غدا أمضي إلى دوق النمسا فأرى ماذا نصنع لنوال مأربنا قبل أن نعمل برأي رئيس الهيكليين.»
الفصل الحادي عشر
نامعلوم صفحہ